أما وقد اجريت المرحلة الاولى من ​الانتخابات البلدية​ والاختيارية في لبنان وخصصت للعاصمة بيروت والبقاع وبعلبك-الهرمل، يمكن القول ان قطار الانتخابات انطلق فعلاً، ولم يعد من مجال للمشككين في حصولها ان يستمروا في تشكيكهم. ولكن، بعد اجراء هذه المرحلة وما تخللها وحصل من ظروف ومعطيات واحداث، فمن المنصف القول ان الحسنة الوحيدة التي سجلت تكمن في انها اجريت بالفعل وقطعت الطريق امام التمديد لرؤساء البلديات والمختارين كما حصل مع النواب.

هي ايجابية وحيدة اذاً، شكلت متنفساً لحكومة ​تمام سلام​ للقول انها لا تزال على قيد الحياة وقادرة على البقاء كذلك، ولكن ملاحظات كثيرة سجّلت على هامش هذا النهار الانتخابي، ويجب اتخاذ بعض العبر منها، نتوقف في ما يلي عند ابرزها:

* بدا وكأن الناس اقوى من الدولة، اذ على الرغم من حجز اكثر من 20 الف ضابط وجندي من مختلف القوى المسلحة من اجل ضمان امن الانتخابات، نجح "حاملو الاسلحة" واصحاب الفتن والمشاكل في منع الانتخابات في عدد من القرى والبلدات، ورضخت الحكومة للامر الواقع وارجأت الاستحقاق البلدي والاختياري (عين عطا، جديتا...)، فما الذي يمنع مجموعة من الاشخاص في كل بلدة وقرية ان يعملوا على اثارة النعرات والفتن، كي يرجئوا الانتخابات في بلداتهم مثلاً؟

* عاش لبنان في ظل "شلل" حياتي قبل يوم من الانتخابات فتوقفت الحياة الرياضية (مباريات كرة السلة وكرة القدم) واجواء السهر في العاصمة، ومن الممكن تبرير هذه التدابير في ظل الوضع الامني الصعب الذي يسود في المنطقة ككل والعالم، وليس في لبنان فقط، وهو يبقى امرا مقبولا اذا ما اسفر عن هدوء امني يوم الانتخابات وتفادي تسجيل مشاكل امنية.

* باتت مسألة "شراء الاصوات" ملازمة لكل عملية انتخابية نيابية كانت ام بلدية واختيارية، ولو ان نسبتها هذه المرة كانت اقل من تلك التي ترافق الانتخابات النيابية، وهو امر طبيعي. لكن اللافت ان هذه الآفة باتت حاضرة في كل استحقاق، والاتهامات المتبادلة تبدأ منذ الصباح الباكر وتستمر حتى ما بعد اقفال صناديق الاقتراع، دون ان تتمكن القوى الامنية من ايقافها. وفي حال تم توقيف احد من ابطالها، سرعان ما يتم الافراح عنه بالسرعة اللازمة.

* لم يعد هناك من مجال للقول ان السياسة لا تدخل في كل شاردة وواردة في الحياة اللبنانية، فمن قال سابقاً بأن السياسة "تعلّق نشاطها" خلال الانتخابات البلدية والاختيارية، شاهد ان المسألة غير صحيحة بتاتاً، فقد تم خوض الانتخابات على انها "معارك مصيرية"، وشكلت تحالفات حزبية لا يحلم بتشكيلها احد، حتى بات الحزبيون ضائعين وتائهين في الدفاع عن احزابهم وخياراتها وتحالفاتها. واكبر دليل على ذلك، النداءات التي وجهها السياسيون في منتصف اليوم الانتخابي لرفع نسبة التصويت في البلدات والقرى، وسرعان ما لبّى الحزبيون ونزلوا فور تلقيهم النداء كرمى "لعيون الزعيم"، لترتفع نسبة المشاركة في الاقتراع بشكل ملحوظ.

اما الدليل الآخر على عدم وجود نيّة لدى الناس للتغيير، فهو عدم نجاح اللوائح المشكلة خارج الاطارات الحزبية من مستقلين (بكل ما للكلمة من معنى، وليس بالمعنى المجازي الذي ساد اخيراً)، فيما لم يكن غريباً ان ينهي تحالف "امل" و"حزب الله" الامور لصالحه كما جرت العادة.

* لعل الميزة التي طبعت هذه الانتخابات كانت "الخطأ" الفادح الذي ارتكبه رئيس "تيار المستقبل" النائب ​سعد الحريري​ حيث صوّت بلائحتين بلديتين في صندوقي البلدية والاختيارية في بيروت. وبغض النظر عن التعليقات السياسية التي نجمت عن هذا الخطأ، فإن مجرد حصوله يدل على ضعف الثقة لدى السياسيين بالانتخابات وبعدم ايفائهم حقها، لعلمهم ربما بأن السياسة هي التي تحدد خيارات لبنان وليس المواطنين، على عكس كل مفهوم اللعبة الديمقراطية في دول العالم اجمع.

* سقطت من لائحة الحكومة للذرائع الجاهزة، عدم القدرة الامنية على اجراء الانتخابات النيابية. ومع العلم ان هذه الذريعة لم تكن مقنعة بالاصل، الا انها باتت خارج التداول، وتبقى الذرائع الاخرى صالحة وفي مقدمها عدم الاتفاق على قانون انتخابي في مجلس النواب. لذلك، فإن اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية لا يعني بالضرورة ان الانتخابات النيابية صارت بحكم الحاصلة، الا في حال الحصول على ضوء اخضر سياسي.