قد يكون الرئيس نبيه بري جاداً وصادقاً في مبادرته الاخيرة لـ"لبننة" الاستحقاق الرئاسي. وقد يكون مصدقاً لدرجة كبيرة انه يمكن اجتراح حلول لبنانية للأزمات، بعد تيقنه ان انفراج الافق الاقليمي من سورية الى اليمن الى ليبيا والبحرين لن يكون قبل صيف العام المقبل. لكن بري صاحب اعوام الخبرة التي لا تشيخ في سياسة تدوير الزوايا يبدو انه لا يريد ان يستسلم او يسلم سلاحه، او يستكين لخلاف سعودي وايراني او تشبث السعودية وقطر وتركيا بمطلب رحيل او ترحيل الرئيس بشار الاسد عن كرسي الرئاسة في سورية. فهذا الامر لم تحققه سنوات خمس واكثر من نصف مليون قتيل و10 ملايين مشرد واكثر من 150 الف مفقود او اسير او معتقل او مخطوف او معوق. فهل سيحدث هذا الامر خلال العام ام ان لدينا عشرة اعوام جديدة؟

كل اللقاءات الدبلوماسية التي تعقد في بيروت او يكون اطرافها لبنانيين في الخارج، لا يرشح عنها الا ما يجعل وجه المستمع ملوناً بألوان الحيرة والقلق والاضطراب والخوف على مستقبل هذا البلد الصغير.

واذا كان الاميركيون والفرنسيون والاوروبيون يجزمون ان استقرار لبنان، وعدم تمدد النصرة وداعش من الحدود السورية اللبنانية المشتركة الى داخل القرى والدساكر اللبنانية هو اولويتهم، فمن اين تنبع بدع الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بالتوطين او التجنيس او تمكين النازحين؟

ورغم كل الكلام النافي والجازم، والاستعانة بأقوى ادوات اللغة الجازمة والنافية وتعديل الترجمات من الانكليزية الى العربية وبلغة صحيحة وجامدة ومتماسكة، لا بد من الانتباه الى ما يجري حولنا. وكذلك الاعتبار والتيقظ من مغزى الاعلان عن انتهاء مفاعيل سايكس بيكو بعد مئة عام بالتمام والكمال على بدء العمل فيه.

من كل هذه المقاربات ينطلق رئيس مجلس النواب، الذي يعرف قبل الطبقة السياسية التي تهشمت من الانتخابات البلدية في مراحلها الثلاث المنقضية، علماً ان المرحلة الرابعة في الشمال وعكار سيسعى فيها تيار المستقبل الى حسمها بالتوافق والتزكية بعد طرابلس كي يحفظ ماء وجهه المتعكر في بيروت وصيدا. ولو فاز ببلديتهما وخسر الناس.

لا احد خرج فائزاً بالمعنى السياسي للانتخابات واذا ربح بلدية او عشر او مئة. لكنه خسر شرعيته عند الناس التي لم تعد تصدقه، ولم تعد اكاذيبه وحيله واباطيله تنطلي عليهم. فهو يصادر قرارهم وخيرات دولتهم وابسط حقوقهم المشروعة ويدّعي تمثيلهم واحتكار طبابتهم وكهربائهم ومائهم. ومن بوابته تمنح العطايا الممنن بها وهي الحق المشروع المكتسب.

التجارب البلدية الاخيرة تدعو القوى السياسية الى مراجعة مواقفها والى الاخذ في الاعتبار حجم الاعتراضات التي بدأت تكبر في وجههم، وعليهم ان يعرفوا ان زمن التمديد ولّى وزمن مصادرة قرار الناس ولّى. مع التأكيد ان الفورة الحقيقية والهادرة بدأت ارهاصاتها ولو بهزات خفيفة. فكلما تقدم الوقت ستضعف منظومة المصالح بين الناس والاحزاب وكلما تعافت الدولة ولم تعد تحتاج وسيطا وهو الاحزاب لربطها بالناس.

في مبادرة بري الاخيرة ينطبق المثل والجدال حوله. فالاجابة عن سؤال من ولد قبلاً البيضة ام الدجاجة، هي نفسها الاجابة عن الفرضيات الثلاث. فكيف اجري انتخابات بلدية ونيابية فرعية ولا اجري انتخابات نيابية عامة واربط التعذر بالظروف الامنية؟

وكيف ابرر التمديد مرة اخرى ولم يعد من وقت الى موعد التمديد الثالث الا بضعة اشهر؟ وكيف اجري انتخابات نيابية مبكرة اذا لم اتفق طيلة 6 اعوام على قانون جديد للانتخابات؟ وكيف اجري انتخابات نيابية مبكرة وقسم كبير من اللبنانيين: المستقبل ومسيحيي 14 آذار والتيار العوني يرفضون اجراء اي استحقاق قبل انتخاب الرئيس؟

وكيف ننتخب الرئيس وكل فريق يريد الرئيس من حصته وفريقه السياسي، رغم ذر الرماد في العيون واطلاق مبادرات ترشيح الخصوم واشبه بمناورات دخانية، وسند لا قيمة له؟

لذلك كله سيبقى الشغور الرئاسي، وسنبقى بلا قانون انتخابي جديد. وسنبقى على التمديد سواء مددنا مرة ثالثة ام اجرينا الانتخابات وفق قانون الستين. وعليه كل شيء سيبقى على حاله ولكننا سننصرف جميعاً الى البحث عن هوية الدجاجة التي باضت تلك البيضة اللبنانية...