ان يتبجّح مساعد وزير الخزانة الأميركية لمكافحة تمويل الإرهاب دانيال غلايزر بالعقوبات المالية المفروضة على حزب الله و"فعاليتها" فذلك متوقع، لكن ان يتبجح بها لبنانيون ويتواطؤون معها فذلك امر مستغرب من حيث المبدأ ومرفوض لكنه اصبح امراً واقعاً. وبعيداً من عبارات اللوم والتخوين والعمالة وفحص الدم التي يُواجه بها كل من يسأل عن تصرف فلان او علان المشبوه او الملتبس او الـ"ممغمغ" ويقدم المصالح الخاصة او الخارجية او المالية على كل ما عداها، فمرحباً بالشراكة والسيادة والتضامن والتكافل الوطني والتعايش حتى لا نقول التكاذب بين الطوائف. ولا شك وشبه مؤكد ان هناك تعايشًا ومصارحة بين بعض اللبنانيين على تعدد طوائفهم ومذاهبهم. ولكن في المقابل هناك بعض اللبنانيين لا تنفع معهم لا المصارحة ولا المكاشفة ولا الحوار . وحتى العتاب او اللوم معهم مشكلة ومضيعة للوقت ، لكن في الوقت نفسه لا يعني ذلك ان الحرب معهم هي الحل.

وغلايزر نفسه يشيد بامتثال المسؤولين اللبنانيين للقانون الاميركي واتخذوا الاجراءات اللازمة لضمان التنفيذ ويجزم زاعماً في مكان آخر من شهادته امام احدى لجان الكونغرس امس الاول ان الاجراءات لا تطال الا حزب الله وليس الطائفة الشيعية.

عملياً يكاد في لبنان ان يكون كل "فرنجي برنجي"، فكيف اذا كان اميركياً وآتيًا من بلاد العم سام التي تدعي الحرية والعدالة والمساواة الاجتماعية بين مواطنيها من اعراق وحضارات مختلفة. كما تدعي الحرص على حقوق الانسان والحيوان وتطبيق العدالة الدولية والاممية ومكافحة التصحر والامراض والفقر في العالم، في حين بالدليل القاطع العملي تدعم العدو الصهيوني، بكل ما اوتيت من السلاح وارهاب الدولة كما تحتل وتغزو الشعوب والامم فتقتل وتجرح في افغانستان والعراق عشرات الملايين وتصنع داعش ومن ثم تعاقبها مالياً وتحاربها.

ما يجري عملياً في لبنان اليوم بعد القرار الاميركي، هو محاصرة كل الطائفة الشيعية وجعل كل شيعي في "خانة الشبهة" المالية، فانتماؤه الى الطائفة الشيعية يجعله عرضة لتطبيق العقوبات الاميركية، فإذا لم يكن عضواً منتسباً لحزب الله ويعمل في احد قطاعاته الامنية او العسكرية او موظفاً في اي دائرة كانت اقتصادية او اجتماعية او استشفائية او خيرية فهو عرضة للقانون الاميركي.

وهنا يطرح السؤال نفسه ماذا عن عائلته؟ زوجته وابناؤه ووالداه واولاد عمه وهلم جراً؟ وماذا عن حركة امل والمنتسبين اليها وماذا عن مؤسساتها فهل يشملها القرار؟

وتسود حال من البلبلة في الاوساط المصرفية وكل القطاعات المالية التي تتعامل بالدولار الاميركي، اذ تدقق في "سلالة" المرء وخريطته الجينية ويصبح أمر فتح الحساب او إغلاقه مثل الجلوس في انتظار تنفيذ حكم الاعدام. ويؤكد مختصون في القطاع المالي ان التشدد في الاجراءات وتنفيذ القرار الاميركي، تواكبه احياناً مبالغة في تنفيذ بنود القانون الملتبسة. اذ يكفي ان يكتشف من يغوص في مواد قانون العقوبات المذكور، انه حمال اوجه ويتسع كثيراً للتأويل والتحريف والاجتهاد والزيادة والنقصان، وهو امر اعتمده المشرع الاميركي ليكون تطبيقه متشدداً وقابلاً للطي و"اللف والدوران".

وبين الشيعي المنتمي الى حزب الله المستهدف حكماً بكل سلالة عائلته وبين المنتمي الى حركة امل الشيعية ايضاً والحزبان لهما باع طويلة في المقاومة ضد الاحتلال وداعميه، يستهدف القرار الاميركي بشكل ممنهج كل ما يمت الى الطائفة الشيعية التي تقاوم الاحتلال والتكفيريين في اكثر من ساحة، ولعل من الدلائل الواضحة على المساعي الاميركية لخنق الطائفة الشيعية بكل الوسائل والاساءة الى رموزها هو وضع الفقيه المجدد السيد محمد حسين فضل الله على لائحة الارهاب الاميركية. وهذا الاجراء بحد ذاته يدل على ضيق صدر الاميركيين، من كل رافض لسياساتهم وممارساتهم وعدم الاعتراف بالعدو الصهيوني والتمسك بقضية فلسطين ولو كان داعياً بالكلام الى الفعل او رمزاً له احترامه اللبناني والعربي والاسلامي وحتى الدولي. والمؤسف المعيب والمخجل ان لا اصوات ارتفعت في لبنان ولا في العالم الاسلامي ولا في اي مكان في العالم، لادانة ما يتعرض له ارث ومسيرة الراحل الكبير ذاك العالم الوحدوي والمتنور والداعي الى الوحدة الاسلامية وحماية المقاومة وقضية فلسطين. المطلوب بعد اليوم مواجهة القرار الاميركي بكل الاشكال لانه بدأ مالياً لكنه لن ينتهي عند حدود محاصرة الصروح التربوية والاستشفائية والخيرية والاساءة الى الرموز، بل سيتعداها ليشمل مجالات اكبر واوسع ولا احد يعرف نتائجه او خواتيمه.