تلقف تيار "المستقبل" جدّياً رسائل الانتخابات البلدية، عاطفاً إياها على واقعه الداخلي السياسي والمالي، فقرر أخذ العبر والانصراف الى اصلاح ما امكن، حفاظاً على ما تبقى، ومنعاً لمزيد من التضعضع الذي يمكن ان يؤدي مع الاستحقاق النيابي المقبل، الى انهيار المنظومة التي يعمل على أساسها التيار، وقوامها الرئيس وجوده في الحكم، انطلاقاً من كونه الممثل الأول للسنّة في لبنان.

من هنا سيكون "المستقبل" في ورشة داخلية في الأشهر المقبلة، تعبد الطريق امام الوصول الآمن والمنتج اليها على مدى 16 اسبوعاً. فبنتيجة اجتماع مكتبه السياسي برئاسة رئيس التيار سعد الحريري، والذي اتى في سياق البحث عن خطّة عمل تتضمن تقويم مسار التيار وتوجهاته، وتخلله تبادل للآراء وعرض للمسار الذي استتبع خروج الحريري من السلطة واضطراره للبقاء خارج لبنان لفترة طويلة، قرر المستقبل ان يفتح صفحة جديدة مع نفسه اولاً ومع الآخرين ثانياً، لاسيما بعد 11 عاماً من العمل السياسي منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ما يحتّم ضرورة خروج المستقبل من "فترة الحداد" الى "مرحلة العمل".

صفة التجديد

ووفق معلومات "البلد" فإن توجهاً لدى تيار المستقبل يقضي باعطاء صفة "التجديد" على مؤتمر تشرين، وهو الذي سيفضي الى اجراء تغييرات على مستوى الهرمية القيادية للتيار من خلال العملية الانتخابية.

"يا شيخ سعد مش ماشي الحال"، قالها المشاركون في اجتماع المكتب السياسي، واستفاضوا على مدى حوالى الثلاث ساعات، في مناقشة المستجدات السياسية والنتائج التي آلت اليها الانتخابات البلدية والاختيارية وما سبقها. وقد انطلق النقاش من ضرورات المراجعة والتقويم والقراءة النقدية للخطوات والمبادرات التي جرت والى اين ينبغي الذهاب.

بنتيجة ذلك، تقرر عقد المؤتمر العام لتيار المستقبل في 15 و16 تشرين الأول المقبل، وتكليف لجنة تحضيرية خاصة تتولى الاعداد للمؤتمر وصياغة الورقة السياسية والتقرير التنظيمي، وحصر اعمال الهيئات التنظيمية في وضع تسيير الاعمال اللازمة حصرا للمؤتمر العام، واعتبار المكتب السياسي في حالة انعقاد دائم متابعة لأعمال التحضير للمؤتمر العام.

التقرير التنظيمي

ووفق معلومات "البلد" فإن اللجنة التحضيرية التي أوكلت اليها مهمة الاعداد للمؤتمر وصياغة الورقة السياسية والتقرير التنظيمي، وهي تتألف من راشد فايد ووليد يونس ووليد النقيب وحسان الرفاعي وصالح فروخ والأمين العام للتيار احمد الحريري، ومهمتها اعداد البيان السياسي للمرحلة المقبلة، وتنظيم الحالة الديموقراطية داخل التيار، وصولاً الى انعقاد الجمعية العمومية، ودراية المقترحات التنظيمية، ابرزها تعزيز الانتساب الى التيار وتفعيله.

من الواضح ان تيار المستقبل يرغب في تجديد الحياة الديموقراطية في داخله، وإعادة تصويب بوصلة التوجهات الداخلية من خلال تشارك القيادة بالقرار والاقتناع به اولاً، قبل اقناع القاعدة. فيما المرحلة السابقة شهدت على "اسقاطات" فرضتها التطورات، ما خلق تباعداً بين رأس الهرم والقاعدة، انعكس على وضع التيار ونتائجه. من هنا، تأمل قيادة المستقبل في ان يشكل المؤتمر والاعمال التحضيرية له فرصة جديدة وبنّاءة في مقاربة تطلعات القاعدة الشعبية، لاسيما الشباب والمرأة، وان يفتح ذلك كله آفاقا واعدة للعمل السياسي والاجتماعي في تيار المستقبل وفي المجال الوطني العام.

تداعيات سياسية

فقد ايقن المستقبل ان ليس بالتصريحات والصور مع الرؤساء والمسؤولين تخاض الحياة السياسية، ولا يمكن بقاء الحريري خارج لبنان، وإن بحجة أمنية، وترك الساحة لسواه لينمو ويكبر ويملأ الفراغ، من دون تداعيات سياسية وحزبية عليه. كما انه لا يستطيع الحريري ان يتعامل مع الواقع السني كأنه "بالجيبة"، وان "الناس معنا ولو شو ما صار"، لاسيما أن ظروف العام 2005 ومفاعيلها التي اوجدت لسعد الحريري فسحة لخلافة والده لم تعد هي نفسها، تضاف اليها الازمة المالية التي اضطرت التيار الى "شد الحزام" واتباع سياسة تقشف في العديد من مؤسساتها. في الوقت الذي كان كثيرون يتقربون من التيار باعتباره "بقرة حالوب" يمكن الاستفادة منها، فإذا بهم يبتعدون عنه، ويعملون ضده، عند اول انتكاسة.

يخفف المستقبل من وطأة تمدد الوزير اشرف ريفي، وتعتبر أوساط التيار ان ما حصل ناجم عن أخطاء التيار اكثر من قوة ريفي او سواه من الذين استفادوا من سوء التنظيم وغياب المرجعية الموحدة لدى المستقبل، ليخرجوا من جلبابه ويغرّدون خارج سربه التنظيمي، او يسعون الى تناتش ما هو له من تمثيل وحضور.

قانون الانتخاب

من هذا المنطلق، تفضّل أوساط المستقبل وصف ما حصل في الفترة الأخيرة، بكبوة الفرس الأصيل، الذي سيتمكن من النهوض مجدداً واستمرار اندفاعه نحو الهدف. وتعوّل أوساط المستقبل على الأشهر المقبلة لاجراء الجردة المطلوبة والخروج بما يمكن ان يشكّل في الوقت عينه "درعاً واقية وسيفاً سياسياً"، فيحمي المستقبل نفسه، ويعود لاعباً بقوة كاملة على الساحة السياسية.

الى ذلك، وعلى الرغم من أن المؤتمر يأتي قبل اشهر من الانتخابات النيابية المرتقبة، الاّ أنه لن يتطرق الى مسألة الترشيحات، حسبما تؤكد أوساط المستقبل. الأكيد انه سيكون له موقف من قانون الانتخاب ومسألة رفض النسبية المطلقة، الاّ ان مسألة التحالفات والاسماء التي ستمثل التيار في الندوة البرلمانية، لن تناقش. في الواقع، يرغب المستقبل بذلك ربما ارجاء أي "حرد" الى موعد لاحق.