حركة أعداء سورية تتسارع تناقضاتها وخلافاتها وصراعاتها، فعلى مستوى ما يسمى المعارضات السورية، بدأت حملة تبادل الاتهامات تتسع، سواء بين أطراف الائتلاف السابق (المجلس الوطني)، الذي كان قد خرج من فنادق اسطنبول، أو بين أطراف جماعة ما يسمى "معارضة الرياض"، في وقت يتسع الصراع التركي - القطري من جهة، والسعودي من جهة أخرى، وكانت إحدى تجلياته إجبار محمد علوش على التنحّي عن منصب "كبير المفاوضين"، ليدخل الصراع بين المعارضات مرحلة جديدة، أبرزها محاولة "الإخوان المسلمين" احتلال هذا المركز، وهي تطرح اسم هادي البحرة.

أمام اشتداد هذه الصراعات، دخل الغرب، وتحديداً الفرنسي، على الخط، بطرحه بسمة القضماني لمنصب ما يسمى "كبير المفاوضين"، وقد أرفقت باريس هذا الطرح برمي "عظمة" للمعارضات المتآكلة، بإعلانها إعادة العمل بمجموعة ما يسمى "أصدقاء سورية"، التي كانت تقودها هيلاري كلنتون إبان تسلُّمها وزارة الخارجية الأميركية..

أمام هذه الصراعات الآخذة بالتفاقم، يرى المتابعون أنه ليس هناك من احتمال لعقد اجتماع قريب لـ"جنيف جديد"، بانتظار تبلور شكل موحَّد للمعارضات المتنافسة.

الصراعات والتناقضات على مستوى المعارضات، لها انعكاساتها أيضاً على مستوى داعمي ومموّلي الإرهاب في سورية، فجمر الخلاف السعودي - القطري يستعر تحت رماد العلاقات بين الدوحة والرياض، ومن جهة ثانية، اشتداد الصراع الداخلي في العائلة المالكة السعودية، خصوصاً بين وليي العهد؛ فقد اعترف ولي العهد محمد بن نايف، لموقع "الوطن اونلاين"، بفشل سياسة الرياض في سورية واليمن، مشدداً على أن "عاصفة الحزم خرجت عن توقعاتنا بسبب عدم قيام دول التحالف بالمهام الموكلة إليها".

وفي الشأن السوري، صرّح بن نايف بأنه "كان المتوقع إزاحة نظام (الرئيس بشار) الأسد بمساعدة تركيا والولايات المتحدة الأميركية، وعوّلنا كثيراً على هذه التطمينات"، وتابع: "هذه الوعود لم تتحقق على أرض الواقع، ويؤسفنا أن العالم العربي شهد خلال السنتين الماضيتين بالتحديد أزمات وصراعات كثيرة"، ورأى أن "كل هذه الأمور تحتّم علينا أن نراجع سياساتنا وحساباتنا، وإن تطلب الأمر فعلينا تقديم تنازلات حقيقية ومؤلمة في نفس الوقت في كل من الملفات الآنف ذكرها، إذا ما أردنا جرّ العالم العربي إلى برّ الأمان وتخليصه من الاقتتال والتناحر"..

ويلاحَظ هنا أنه بعد نشر الخبر، عمد الموقع إلى حذفه، لكن سرعان ما تبيّن أنه تعرّض للتعطيل بشكل كامل، ولم يعد ممكناً تصفّحه.

هذا الاعتراف من بن نايف حاول بن سلمان الردّ عليه من الأردن، خلال زيارته الأخيرة لعمّان، وبعدها توجّه إلى واشنطن، حيث حاول أن يدغدغ المشاعر الأميركية نحوه؛ بأنه الرجل الصالح لقيادة المرحلة السعودية الجديدة، فأعلن أن بلاده كانت على الدوام الحليف الاستراتيجي الأوثق للولايات المتحدة، وأن ملوك بلاده (جده وأعمامه) كانوا يتلقون الدعم اللازم والحماية الكافية من قبَل الرؤساء الأميركيين، كما كان ملوك آل سعود يقدّمون كل ما من شأنه تعزيز العلاقة بين الجانبين ويخدم واشنطن.

وبشأن الانتخابات الرئاسية الأميركية قال ولي ولي العهد السعودي، إن المملكة لم تبخل طيلة السنوات الماضية بالدعم المالي للحملات الانتخابية للحزبين الديمقراطي والجمهوري، وجرياً على العادة تتكفل المملكة بدفع عشرين بالمئة من تكلفة الحملة الدعائية لمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الأميركية الجديدة، في حين أن بعض القوى الفاعلة في البلاد لا تثمّن هذا الدعم الموجّه إلى المرشحة بوصفها امرأة، على حد قوله.

ووصف زيارته إلى الولايات المتحدة بأنها تعد زيارة تاريخية، (لاحظوا تعبير زيارة تاريخية).

وأيضاً، فقد سحب هذا التصريح من الوكالة الأردنية بعد نشره بساعات قليلة، لأنه كانت تعبيراً من جهة عن واقع الخلافات السعودية - السعودية، ومن جهة ثانية توجيه رسالة حسن نية إلى واشنطن باستمرار تقديم الخدمات لها، لكنه وقع في شر تصريحاته، بإعلانه عن تمويل الحملات الانتخابية للرئاسية الأميركية وإشارته إلى دفع 20 بالمئة من تكاليف حملة المرشحة كلينتون.

بأي حال، لا يعني تقديم هذه الصورة عن واقع أعداء سورية أن الحرب الإجرامية على بلاد الشام انتهت، لكنها مؤشر حتمي على احتمال تطور الصراع إلى داخل أتباع الأميركي والغرب، ربما كان هنا ضرورياً الإشارة إلى متابعة "الكباش" المحتدم في السعودية، ومن مظاهره الصغيرة أيضاً ما يجري في لبنان، وداخل "تيار المستقبل" تحديداً (تابعوا حركة أشرف ريفي)، وشد الحبال بين تيارات "تيار المستقبل" قبل المؤتمر الموعود في شهر تشرين الأول المقبل، حيث يُتوقع تغييرات قيادية كبرى.