منذ أن شنّت السعودية حربها العدوانية على الشعب اليمني وبلاده وإنجازاته عبر التاريخ، كان أكثر من نصف الدول في العالم تغمض عيونها عن المجازر والارتكابات المشينة بحق الإنسانية، على قاعدة أن الحرب ستضع أوزارها قريباً، ويخضع الشعب اليمني، ويكتب المعتدون التاريخ بما يلائم مجونهم، إلا أنه من غير المستغرَب أن الدول الاستعمارية، القديمة منها والحديثة، عملت على تغطية العدوان بكل ما أوتيت، وتجاهلت المذابح، رغم توثيقها وتقديمها بالصور يومياً، وتمادت في تغطية الوحشية، طمعاً ببيع السلاح والمنتجات الصناعية والغذائية التي تُستخدم في الحروب وغيرها، رغم الأصوات التي كانت تصدر من مواطنيها بعد انكشاف أن الشعب اليمني يُقتل ويُذبح بأسلحة تنتجها مصانع بلادهم، وهو عار بالمقاييس الدولية.

بعد عام وثلاثة أشهر، وبسبب وجود المنظمات المختلفة للأمم المتحدة، والناشطة في اليمن، وبعد الفشل الذريع في وقف العدوان، لأن غطاءه أصلاً هو من الدول المهيمنة على المنظمة الدولية، قامت الأمم المتحدة غير القادرة على أن تكون شاهد زور وقح أكثر مما تستطيع، بخطوة تُعتبر في السلّم الطبيعي للحرب غير العادلة في أسفل الدرجات، لأنها باتت محرَجة أمام تعاظم المذابح والأكاذيب التي يرتكبها التحالف التي تقوده السعودية بالرشوة، فكان أن صدر قرار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأخفّ لهجة؛ بضم السعودية إلى القائمة السوداء للجماعات والدول التي تنتهك حقوق الطفل، وحمّلت التحالف المذكور المسؤولية عن ستين بالمئة من الضحايا الأطفال.

لم يكن أحد يعتقد أو حتى يتخيّل أن الامم المتحدة يمكن أن تتراجع عن مثل هذا القرار الضعيف مضمونه قياساً إلى الارتكابات التدميرية الماحقة المرتكَبة من التحالف الشرير بحق الشعب اليمني، سيما أن مثل هذا القرار لم يلقَ أي معارضة من أحد؛ لاستحالة نكران ما يحدث أمام أعين العالم أجمع.

إن السرعة التي تراجعت فيها الأمم المتحدة عن القرار، بسبب الابتزاز السعودي، وغضّ الطرف الأميركي، بحُجّة النأي بالنفس (سياسة أميركية جديدة في تغطية أربابها الماليين ومجازرهم)، وبالكيفية التي حصلت، تُحوّل ما كان غير متخيَّل إلى واقع محسوس؛ بتبرير أسوأ من الذنب نفسه، رغم الارتباك السعودي بداية، والذي اعتبر أن نسبة "الستين" مبالغ فيها كثيراً.. وكأن الأمر في النسبة وليس في الجريمة أو الجرائم بحد ذاتها، ومن ثم اعتبار "التحالف"، على لسان الناطق السعودي أحمد عسيري، أن التقرير متناقض، لأن الأمم المتحدة تعترف بـ"أنصار الله" وتخاطبهم وتتعامل معهم، وهذا يمثّل رسالة سلبية لمحادثات الكويت التي ترعاها الأمم المتحدة هناك، أي بمعنى التهديد بإنهاء المفاوضات المذكورة، ما يشكّل صفعة أو فشلاً للأمم المتحدة، التي تُبدي حرصاً على وقف الحرب والعذابات التي يرتكبها العدوان، وصولاً إلى مطالبة كل الدول الخليجية المشاركة في العدوان؛ بإزالة اسم التحالف من القائمة السوداء.

لقد قادت السعودية وتحالفها المشين حملة على بان كي مون عندما حاول، وللمرة الأولى، أن يحرك ضميره الغارق في سبات عميق، وصولاً إلى اتهامه بالتواطؤ مع "أنصار الله"، واتخاذ قرارات تعارض قرارات مجلس الأمن، وسجّلت نقطة في صالحها عندما أحنى رأسه للضغط المذلّ، وبسرعة غير مسبوقة، الأمر الذي طرح الكثير من الأسئلة، من بينها: إذا كانت حياته باتت مهدَّدة، أو أن هناك مماسك عليه جرى ابتزازه عبرها، خصوصا أن التراجع بالشكل الذي أخرجه يلقي بظلال الشك حول آخر معاني المصداقية للمنظمة الدولية، والتقاريرالتي تصدر عنها، سيما أنها الجهة الأكثر حضوراً في اليمن طوال الحرب، ولديها هناك فرَق تعمل في الشؤون الإغاثية والإنسانية، وترى الجرائم بأم العين، وتسجّلها.

ليس هاماً أن تكون السعودية انتصرت في معركة الشر بوجه جديد، وإضافة جرعة جديدة من الكذب على لسان مندوبها في الأمم المتحدة، الذي قال إن بلاده لم تهدد ولم تضغط، بل أوضحت وجهة نظرها، وأن بان كي مون فهم التوضيح على أنه تهديد، وهذه مشكلته، لكن الأهم ما قاله بان كي مون بعد تراجعه غير المشرّف: "إن التهديدات زادت الاحتمال شبه المؤكد من أن يتعرّض ملايين الأطفال الآخرين للمعاناة بشدة"، أي بمعنى أن السعودية هددت بالقيام بارتكاب مذابح أكثر قسوة ودموية إذا لم يحصل التراجع الذي حاول بان كي تغليف نفسه بقشرة إنسانية، مضيفاً أن "قرار التراجع عن إدراج التحالف مؤقتاً من القائمة السوداء كان من بين أكثر القرارات التي اتخذها إيلاماً وصعوبة".

إن التراجع تحت الضغوط اعتبرته المنظمات الحقوقية، وبينها "هيومن رايتس ووتش"، استسلاماً لضغوط السعودية، مع التذكير بأن الامم المتحدة نفسها دانت الكثير من الضربات الجوية لقوات التحالف، والتي استهدفت مدارس ومستشفيات.

في الواقع، اللائحة السوداء تفقد بقية مصداقيتها في مجال حقوق الإنسان، لأنها تفسح في المجال أمام التلاعب السياسي، وهو ما أشار إليه نائب مدير المنظمة فيليب بولونيون، بينما اعتبرت الصحافة الغربية التي تناولت الموضوع، وبينها "الغارديان"، أن الأمم المتحدة منحت السعودية بطاقة مجانية لقتل المدنيين في اليمن.