رأيت الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما في الشاشاتيسكب الطعام في مطعمٍ شعبي في صحون الصائمين يوم عيد الفطر. لم تنشر الصورةبعد لكنّها لقطة رائعة مع أنّ صورالرئيس الشعبيّة بين الناس وفي المطاعم حقّقت ما لم يصله رئيس من قبله. جمع موقع بورد باندا وغيره من المواقع عشرات المواقف واللقطاتالطريفة للرئيس الامريكى بمايعكس تلقائيته وخفه ظله ومرحه وحبه الشديدللاطفال بعيدا عن بروتوكولات المنصب.

ولقد حفّزتني هذه الصورة التي وقعت في مناسبة غالية على المسلمين في الشرق الأوسط والعالم، لأن أشمّ رائحة الصحون والإبتسامات وتبادل المعايدات والتحيّات بين الرئيس والمسلمين هناك ودفعتني لأن أفكّر في بلادنا المتخمة بالعنف والقتل والتشويه العارم. وأخذتني، بالمعنى الإنساني، الى تخيّل نفسي أترقّب النزوح من بيتي وأرضي وأهلي يحيق بي الموت الشنيع، أو نازحاً في عداد النازحين الكثر المفترشين أرصفة أوروبا أو القابعين في الخيم المصفوفة مثل طيور البجع في الأرض يحاصرهم الخوف والعراء والتيه بين الماضي والحاضر والمستقبل فلا يظهر في الآفاق ملامح واضحة للمستقبل.

وقرأت من قبل أنّ الرئيس الأميركييبحث عن عملٍ أو وظيفة بعد خروجه النهائي من البيت الأبيض.كلّنا نعرف أنّهكان أستاذاً جامعياً قبل أن يكون رئيساً لأميركا، وهذا ما يمنح المنصب الكثير من التواضع لدى إستلام السلطة. إنّهامعضلة السلطة مجدّداً وقد صارت في بلادنا خلال العقد الماضيطبقاً من إختلاط القومية والعروبةوالإسلامية والمسيحية والمصالح والضغوطات المتدفّقة من الشرق والغرب، والتي لا يمكن لشعوبنا وأوطاننا مضغ مآسيها وأهوالها وإستراتيجياتها. على أيّة حالٍ، يحزم الرئيس حقائبه في البيت الأبيض نحو القصر الصغير الذي سينتقل إليه مع عائلته بإنتظار أن تنهي إبنته الثانية دراستها في واشنطن، الى أين ستذهب؟

ليس إيجاد الجواب هو الحدث، ولو أنّ كثيرين طرحوا الأسئلة نفسها وأظهروها في وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي مثلما حصل مع زميلته الأستاذة الجامعية صاحبة إطلاق فكرة"الفوضى الخلاّقة" ووزيرة الخارجية التي عادت الى مزاولة التعليموالأبحاث والأطروحات في أحرام الجامعات بما لا ينطبق على هنري كيسنجر وزير الخارجيّة الأميركيوأحد أبرز أقطاب الصهيونية العالمية الذي يعتبر حتّى الآن إستثناء في الوقار والجدّيةوالمكوث،على الرغم من مشارفتهالتسع، في قلب مطابخ الحدث. لم يحزم حقائبه نحو أيّ إتّجاه بل راح يبشّرنا في تصريحه الأخير من"إن طبول الحرب تدق الآن في الشرق الأوسط وبقوة ومن لا يسمعها فهو بكل تأكيد فهو لا يسمع... إنّنا أبلغنا الجيش الأميركي بأننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظرًا لأهميتها الإستراتيجية لنا خصوصا أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى ولم يبق إلا خطوة واحدة، وهي ضرب إيران وعندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتيهما سيكون «الانفجار الكبير» والحرب الكبرى التي لن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي إسرائيل وأميركا وسيكون على إسرائيل القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح لقتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط".

تقع هذه الصور المشدودة بين الحزم والطرافة في حقول الدعاية للرؤوساء والمسؤولين حين دخولهم أو خروجهم من البيت الأبيض. هي إستراتيجيات تجذب الرأي العام وتقوى في الأزمات والإنتخابات وتندرج في الأطر الدعائية التي يمكن أن تروّج للرئيسكأيّ صنف من المواد الإستهلاكية. المهم هو الإقناع وقولبة الجماهيروأن تغرز المساميرالجميلة في رؤوس الناخبين والحالمين بأميركا. وتعتبر أميركا في طليعة الدول التي عملت على نسج الصورعبر تسخير العلوم الكثيرة في ميادين العلاقات العّامة التي يديرها ما يعرف بال Pin Doctors بهدف تلطيف الصورة البشعة والمظلمة والمرفوضة وتقريبها من الناس، وخصوصاً أولئك الذين لا ولم ولن تعجبهم أو ترضيهم صورة المسؤول قبلوأثناء تولّيه للسلطة. طبعاً نحن كعرب، قد تجذبنا مواضيع من هذا النوع للتسلية والإطّلاع فقط، وهي صور وأخبار غالباً ما تخلق في أعماقنا مشاعر تتراوح بين الغضب والإحباط تجاه البيت الأبيضالذييعكس نسقاً من الإزدواجيّة وعدم العدل والإنصاف في العلاقات الأميركية العربية، وتحديداً في ميادين السياسة الخارجيّةالمزدوجة.وهنا ملاحظات حول الصور المصنوعة والعفوية:

1- قبل دخوله إلى البيت الأبيض في ولايته الأولى (يونيو 2009) ، بدت زيارة أوباما الأولى للمسلمين،حاملةًالصراع الفلسطيني"الإسرائيلي" ، والملف النووي وتداعيات الحروب الاستباقية والتطرف الديني والعنف والإرهاب والديمقراطية وحرية المعتقد وحقوق المرأة والتطور الاقتصادي وغيرهامن المصطلحات. بدأها بمخاطبة المسلمين والعرب من مصر(4 يوليو 2008)ب"السلام عليكم". كان يدمغ جذوره الإسلامية وولايته الأولى بخطبة اختار لها منبر جامعة القاهرة "المدينة التاريخية" التي اعتبرها"قلب العالم العربي وإحدى القوى الرئيسية في سلام الشرق الأوسط والمعتمدة على أمريكا في المساعدات الاقتصادية والعسكرية"، ومنهاقال نعم للمسلمينداعياً إلى مصالحة حقيقية تحسّن العلاقات بين أمريكا والمسلمين بعدما انهارت في ال 2001. أسميت الخطبة"البداية الجديدة.

2- جاءت زيارته الثانية إلى الشرق الأوسط في 20/3/2013،في ولايته الثانيةوفقاً للترتيب التالي: إسرائيل والضفّة الغربيّة والأردن ومصر وتركيّا والسعودية . ماذا يعني هذا الترتيب، سوى إستنساخ للأولىودمغ الزيارة بالولاء لاستقرار "إسرائيل" وحمايتها بصرف النظر عن التبايناتبين السياستين الأمريكية و"الإسرائيلية" في موضوع الاستيطان، وحلّ الدولتين وغيرها من الملفّات المتكرّرة التي لا قرار فيها .

3- نحن اليوم ننتظررئيساً جديداً لأميركا. وتستفزّناخطب دونالد ترامبالمعادية للمسلمين والعرب. قفز الرجل من نعتهبالهوليودي الىالسؤآل الجدّي: كيف نوقف صعوده؟يطرح نفسه "مخلّصاً لأميركا البيضاءمن إدارة الأغبياء ومسترجعاً لعظمتها"Make America Great Againويحضّ "الأميركي الى الإقتراع حتّى ولو قال لك طبيبك أنّه لم يبق لك من الحياة سوى ساعات ". وترامب للمفارقة، وبالرغم من إمبراطورياته العقارية ، يستقطب العمال وسائقي التاكسي والصور الدعائية لتلفزيون الواقع فيغالي في هوليوديته بما يذكرنا بدونالد ريغان الذي سبقه الى البيت الأبيضوبعنصرية جورج والاس المرشّح الشعبي للبيت الأبيض في 1968.