الصدمة التي تعيشها أوروربا بشكل عام، وفرنسا وألمانيا بشكل خاص، جراء العمليات الإرهابية، يبدو أن الخروج منها ليس هيناً، رغم الإجراءات المتخَذة، وصولاً إلى حالة الطوارئ المفروضة، وهو الأمر الذي كان "يعاير" الأوروبيون على خلفيته رؤساء وأمراء وقادة الدول العربية، باعتبارهم أحد أركان الديكتاتورية والقمع السياسي والاجتماعي، وهو ما تحوّل إلى حجر الرحى في التحريض على الفوضى التي انتشرت في الدول العربية باسم "الربيع العربي"، وهي التسمية التي توصّل إليها اليهودي الفرنسي برنار هنري ليفي السيئ الصيت، والذي أدار مباشرة العديد من الحراكات في الشارع العربي، وبتمويل أوروبي، الأمر الذي نتج عنه لاحقاً المعاناة من الإرهاب، وبدأت أوروبا تنال حصتها من طباخة السم.

يعود تصاعد المعاناة من الإرهاب، لاسيما في القارة العجوز، إلى عاملين أساسيين:

1- فشل الأجهزة الأمنية الأوروبية في ابتداع أساليب جديدة تحاكي تطوّر عمل الإرهابيين، والبقاء أسيرة المعالجات التي كانت تستخدمها في مراحل الاستعمار، والالتحاق بما تصمّمه لها الإدارة الأميركية، مقابل إغراءات اقتصادية في مرحلة لاحقة، وكمن يبيع السمك في البحر، وإن حاولت أي دولة الشذوذ عن "التوليفة" الأميركية، أو الخلطة المطلوب تعميمها، تدفع ثمناً تحدّده الإدارة الأميركية، أمنياً كان أو اقتصادياً.

2- التحريض "الإسرائيلي" ضد المسلمين في المجتمعات الأوروبية، من خلال المنظمات اليهودية التي تخترق الكثير من الأنسجة، ومن بينها الأمنية في أوروبا، بموازاة التعميم على اليهود الأوربيين بأن أمنهم ليس مضموناً إلا في "دولة الاحتلال" تماماً لكن بنشاط أكبر منذ الهجوم على كنيس يهودي في فرنسا، في أعقاب العملية التي استهدفت مطبوعة " شارلي ايبدو".

لقد نجحت "إسرائيل" في إقناع الكثيرين من اليهود بضرورة الاستيطان في فلسطين المحتلة، وقد وفّر لها الإرهابيون الأرضية المطلوبة، ما يستدعي فتح العيون على المرحلة الأولى من إعداد الإرهابيين التي نظّر لها برنار ليفي.

ما يجري في أوروبا من فوضى يمكن أن تكون له أبعاد أخرى على المجتمعات هناك، ليس لأنه وليد الإرهاب المنتَج أصلاً على يد القابلة القانونية والأمنية الأميركية، والمتوالد من رحم تنظيم "القاعدة" الأميركية من المهد إلى "طالبان" فـ"داعش" و"النصرة"، التي تحوّل اسمها إلى "جبهة فتح الشام"، إنما أيضاً لأسباب أخرى غير عفوية، منها:

أ‌- العمل الممنهج على تقويض القيَم الاجتماعية والأخلاقية والدينية، بزعم التطور الحضاري.

ب‌- نشوء منظومة تربوية خطيرة تشمل برامج كي يعتاد الأطفال على رؤية نزف الدماء والعنف.

ت‌- عدم المبالاة إزاء الانحرافات الفردية التي تحوّلت إلى نشوء حالات تتكاثر ومن ثم المطالبة بقبولها كمكوّن اجتماعي، يستشري مع أمراضه في المجتمعات.

ث‌- انكشاف الذنوب التي يرتكبها قادة أوروبا بحق الدول الفقيرة والنامية، من جراء السير الأعمى خلف السياسية الأميركية، والإحساس بالذنب تجاه اليهود، الذين تحولوا إلى أعداء للعرب والمسلمين؛ وفق الخطة الصهيونية.

بلا شك، فإن أوروبا على مفترق خطير مع عودة تنامي الراديكالية الأوروبية على خلفية متطرفة مصحوبة بموجات فاشية، وهذا ما سيولد نشوء سياسيين متطرفين بنزعات شعبوية، الأمر الذي يمكن أن يتنامى ويوّلد صراعات في المجتمعات الأوروبية، إذا بقي الأوربيون مسكونين بالعنجهية التي تمنعهم من رؤية أخطائهم، وعلى رأسها السير الأعمى خلف الولايات المتحدة الأميركية، والخضوع للمنظمات الصهيونية العاملة لمصالح "إسرائيل".