عشر سنوات مضت على العدوان غير المسبوق في عدوانيته وإجرامه، وفيه شارك عشرات الآلاف من الجنود الصهاينة ومئات الدبابات، مقابل بضع مئات من المقاومين البواسل الذين واجهوا العدو بأساليب قتالية مذهلة أضحت مادة هامة تدرس في الأكاديميات العسكرية الكبرى.

كان واضحاً منذ اللحظة الأولى لهذا العدوان أنه يهدف إلى عدة أمور أبرزها:

1- إنهاء "المعادلة الذهبية" التي أُرسيت في مجرى المواجهة مع العدو، بدليل استهداف طيران العدو فوجَ الهندسة في الجيش اللبناني، والقريب من القصر الجمهوري والضاحية، منذ اللحظة الأولى للعدوان، بالإضافة إلى البنى التحتية.

2- كان واضحاً أن للعدوان أهدافاً أخرى لا تقتصر على استهداف المقاومة، بل إلى تغيير المنطقة برمتها وفق النظرية التي طرحتها كونداليزا رايس من السراي الحكومي وبحضور رئيس الحكومة فؤاد السنيورة: "من رحم هذه الحرب سيولد الشرق الأوسط الجديد"، والذي سبق لشيمون بيريز أن طرحه في كتابه في بداية تسعينيات القرن الماضي تحت نفس الاسم.

كان واضحاً أيضاً أن بعض الداخل اللبناني، مع الأسف الشديد، متواطئ مع العدوان، وتجلى ذلك في مختلف المناسبات إبان العدوان وبعده، ومن أبرزه لقاء رايس مع قادة "14 آذار" في السفارة الأميركية، ورفض وقف إطلاق النار الذي بات العدو يريده، لكن الولايات المتحدة وأغلبية الحكومة وما تمثّل ترفضه، لأن هدفهم الأهم هو ضرب المقاومة، ومنها أيضاً محاولة السنيورة تمرير البنود السبعة التي نظّر لها وعاد بها من مؤتمر روما في الأيام الأخيرة من شهر تموز، لكن محاولته فشلت، فعادوا وحاولوا تمريرها في قمة الرياض بعد انتصارنا على هذا العدوان، فأحبطنا الأمر، علماً أن وثائق ويكليكس كشفت الكثير من فضائح بعض اللبنانيين وانحيازهم للعدوان.

بعد 33 يوماً من المواجهات البطولية النوعية والنادرة لم يعدّ من بُدّ أمام العدو وحماته إلا وقف جنونهم وغطرستهم، لكن الخطير أن بعض الداخل اللبناني كان يريد استثمار هذه الحرب لنزع سلاح المقاومة، والذي هو في خلاصته العملية مطلب "إسرائيلي" - أميركي.

إن إنجازاً هاماً وتاريخياً نوعياً تحقق في انتصارنا على العدو عام 2006، حيث استطاعت المقاومة بإمكانياتها وقدراتها المحدودة التي لا تقاس بتاتاً بواقع وقوة جيش العدو الذي يعتبر أقوى جيش في المنطقة، أن تحقق النصر العظيم.

لقد رفع لبنان رأس العرب، لكن ذلك مع الأسف الشديد لم يتم استثماره بشكل يلائم قيمة النصر العظيم، فتُركت الأمور كما هي، ولو استُثمر هذا النصر بما يستحقه لما حصلت الكثير من التطورات الخطيرة التي ما زال اللبنانيون يتحمّلون تبعاتها.. والأنكى أنه بعد هذا الانتصار، باتت حكومة السنيورة غير ميثاقية وغير شرعية وغير دستورية، لكنها استمرت في نهجها التخريبي، وتحقيق ما عجزوا عن تحقيقه في السنوات السابقة؛ كالخصخصة والاستيلاء على الأملاك العامة بأبخس الأثمان، وكحال المساعدات الهامة التي قُدِّمت للبنان في حرب تموز، وما زال مصيرها مجهولاً.

ومع الأسف، فإن هذه البطولات العظمى قابلتها مقررات الدوحة، التي كرّست الاختلال السياسي والفوضى الاقتصادية.. والآن ونحن على مشارف النصر الكبير في سورية، والذي أبقى متأكداً منه، كما كنت دائماً متأكداً من انتصار المقاومة على العدو عبر "الثلاثية الذهبية"، لا يجوز التراجع إلى الوراء، ويفترض أن يكون في رأس الاهتمام إصلاح النظام السياسي الذي لا يتوافر إلا عبر قانون انتخابي حديث ومتطور يجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة مع اعتماد النسبية.