حصل ما كان متوقعاً، ووصل نائب الرئيس السابق للبرازيل ورئيسها الحالي ​ميشال تامر​ الى سدّة الرئاسة البرازيلية على انقاض الرئيسة السابقة ​ديلما روسيف​. منذ منتصف ايار الفائت، كان تامر رئيساً للبرازيل بالوكالة، ولكنه منذ آب الفائت، بات الرئيس الفعلي لفترة تمتد سنتين واربعة اشهر، اي انها تنتهي نهاية العام 2018.

ليس سراً ان الانقسام حول السمة الابرز للبرازيليين حول رئيسهم الحالي، فمؤيدوه يأملون ان ينقذ البلد ومعارضوه يرون انه انقلب على روسيف طمعاً بالمنصب. وبغض النظر عن هذا الرأي وذاك، لا شك ان جذور تامر اللبنانية قد تكون سبباً لبقائه في سدة الرئاسة لوقت اطول. وهنا، يمكن الركون الى الحسّ الاقتصادي للبنانيين الذين عُرفوا منذ ايام الفينيقيين بالتجارة وبقوا على سجيتهم المالية والاقتصادية، حيث نجحوا في عالم الاغتراب وفشلوا بشكل ذريع في لبنان.

رجال الاعمال في كل انحاء العالم يعترفون بقدرة اللبنانيين في الخارج على التحكم بالمسائل المالية والاقتصادية ونجاحهم في هذا المجال لا يحتاج الى دليل، والبرازيل حالياً احوج كما يكون الى "منقذ" اقتصادي ومالي ينتشلها من الازمة التي تتخبط فيها والتي، وبشهادة الخبراء، قد تكون الاسوأ في تاريخ هذا البلد.

يجد تامر نفسه اليوم امام التحدي الاصعب في حياته، فإذا نجح في انقاذ البرازيل من موجة الازمة الاقتصادية العاتية التي تضربها، سيجعل البرازيليين يهللون له ويعطونه سجلاً قضائياً خالياً من كل الاتهامات والشوائب التي يتهمونه بها حالياً، اما في حال الفشل، فقد تكون الرئاسة الموقتة آخر نشاطاته السياسية في هذا البلد.

صعوبات كبيرة تعرقل مساعي تامر التي سيبذلها لبدء محاولة الانقاذ، اولها انقسام الرأي العام حوله وهي نقطة مهمة جداً اذا ما اراد المرء افتتاح عهده بخطة يلزمها احتضان الشعب والنواب على حد سواء، ولعل تجربة الرئاسة الاولى للرئيس السابق ​لولا دا سيلفا​ شاهدة على اهمية هذا التضامن. صحيح ان تامر قد يجد غالبية المشرّعين الى جانبه لتمرير القوانين التي سيفرضها، ولكن اذا لم تحظ باحتضان وطني، ستبقى ناقصة وستكون امام طريق مسدود سرعان ما سيؤدي الى انفجار شعبي عارم.

ولكن، ماذا لو نجح تامر؟ من المؤكد ان هذا الاحتمال وارد ولو ان نسبته ضئيلة في ظل الوضع الراهن الذي يسود البرازيل، ولكن في حال حصوله، فسيكتب له حياة جديدة في السياسة، صحيح ان عمره الكبير (76 سنة حالياً) لن يساعده لتولي ولاية جديدة، ولكنه قد يكون صانع الرئيس المقبل ويتابع حياته السياسية من خارج اسوار القصر الرئاسي انما بالفعالية نفسها واحتضان الناس له.

لا شك ان التحدي كبير وهو الاهم في حياة تامر، وعليه، فضلا عن الحصول على موافقة الشعب والنواب، نسج خيوط التوافق مع الدول المحيطة في الدرجة الاولى وهي كثيرة بدءا من الارجنتين والاوروغواي والباراغواي مروراً بالبيرو وبوليفيا وكولومبيا، وانتهاء بفنزويلا وسورينام وغويانا... وعلى الرغم من ان البرازيل هي البلد الاكبر جغرافيا بين هذه الدول، ولكنها اليوم تجد نفسها ملزمة بالتعاون مع دول الجوار للخروج من ازمتها الاقتصادية. لكن الوجهة الحقيقية لتامر ستكون ابعد من الحدود، وستتركز على القوة الاقتصادية الاكبر حالياً وهي الصين ولن يضره التطلع الى رضا الشقيق الاكبر اي الولايات المتحدة لما له من مردود ايجابي سياسي واقتصادي ايضاً، وهو بحاجة الى موافقة من هذين البلدين على الاقل ليعتمد عليهما كـ"رافعة" للانقسام الداخلي، ولكن هل يكون هذا الامر مقابل حسابات سياسية خارجية يطلبها العملاقان ام ان الامر سيتعلق بنفوذ اكبر داخل البرازيل؟

اسئلة كثيرة تحتاج الى اجوبة لا يمكن نيلها في الوقت الراهن، ولكن المؤكد انه وفق الفترة التي كان فيها تامر رئيساً بالوكالة، لم تسر الرياح وفق ما كان يشتهي، فأي عصا سحرية ستحول هذا الخط؟