يزداد المشهد الليبي تعقيداً مع قيام قوات "فجر ليبيا"؛ الذراع العسكري لحكومة خليفة الغويل، بالسيطرة على مقرات الحكومة المدعومة من الغرب برئاسة فايز السراج، وطرد أنصارها من العاصمة طرابلس على مرأى العالم، الأمر الذي يُعتبر نكسة جديدة للمساعي السياسية، لا سيما للأمم المتحدة في إمكانية جمع الأطراف الليبية لحلّ سياسي راهن كثيرون على التوصل إليه مع إطلاق حكومة السراج التي لا تحظى بأي شعبية، ولم تنل أيضاً ثقة برلمان طبرق، الذي يغطّي الجيش بقيادة الفريق خليفة حفتر.

المشكلة الليبية من أساسها تتحمّل مسؤوليتها دول حلف شمال الأطلسي التي غزت ليبيا تحت شعار إحلال الحرية والديمقراطية بعد إسقاط حكم القذافي، فيما تعيش البلاد - التي كانت غنية - حالة فقر مدقع جراء التناحر المتعدد الأطراف، فيما الغرب لا يهتم إلا بنهب الثروات النفطية، وهو يفعل ذلك بأساليب متعددة، إلا أن الأسوأ يتمثل في قيام الموفد الدولي مارتن كوبلر بتعليق فشله، وربما المتعمَّد، على الشعب الليبي، من خلال تحميل الليببين مسؤولية تقسيم بلادهم، وليس الأمم المتحدة، بالرغم من أن مسألة تقسيم ليبيا طرحتها الدول الغربية مع نشوب الحرب على القذافي تحت عناوين "المساواة".

سيطرة حكومة الغويل، وضمناً "الإخوان المسلمين"، على طرابلس مجدداً، مع التهديد بتوسيع السيطرة، تزامن مع طرح الموفد الدولي إيجاد جيش موحَّد تحت إمرة حفتر، الذي كانت تنكّرت لقدراته الدول الغربية، بالرغم من أن قواته في طليعة الذين يكافحون الإرهاب، لاسيما "داعش"، وما ينفي هذا التوجُّه بتشكيل جيش بقيادة الفريق حفتر إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يستعد لمغادرة البيت الأبيض، أن واشنطن ستستمرّ في دعمها للمجلس الرئاسي برئاسة السراج؛ المطرود وحكومته من طرابلس.

خطورة الوضع الليبي تتفاقم مع نفي عدد من الدول الغربية نيّتها التدخُّل عسكرياً، بالرغم من أن القاصي والداني يعرف بوجود قوات أميركية وفرنسية وبريطانية، وكذلك إيطالية، إلا أن هناك مؤشرات قد تؤدي إلى فتح كوة في جدار التصلُّب يجري العمل عليها، وتكمن في السعي للتواصل بين حكومة الغويل وحكومة الشرق، وموضعها طبرق، من أجل تشكيل حكومة مشترَكة على أساس مبادرة الحوار الوطني التي استُنزفت أشهُراً طويلة ولم تتمكن من جمع كلمة الليبيين، لكن إذا نجحت هذه المبادرة فإن الغربيين الذين مزّقوا ليبيا لن يسمحوا بذلك، لأن جهودهم بالسيطرة على ليبيا ستذروها الرياح، خصوصاً مع دخول العامل الروسي على الخط.

وفي هذا الإطار، سرّبت "إسرائيل" عبر مقالة لعاموس هارئيل، اعتبر فيه أن التدخُّل العسكري الروسي في سورية ليس إلا بداية لبسط سيطرة موسكو على مناطق عدة في الشرق الأوسط، وأن ليبيا ستكون محطة أخرى تطمح روسيا لاستخدامها لفرض سيادتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بمساعدة مصر.

ربما يكون لافتاً تطابُق ما سرّبته "إسرائيل" مع إعلان إيطاليا أنها طلبت من روسيا تفهُّم مصالحها في المتوسط، وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد من خلال الأزمة الليبية كسر الحصار الذي فرضه الأطلسي والدول الغربية عامة على روسيا في المتوسط وأوروبا، مع الإقرار بأن التطورات الليبية تغطّي هامشاً للتحرُّك الروسي.