وسط المشاورات التي يجريها الرئيس المكلَّف تشكيل الحكومة سعد الدين الحريري مع مختلف المكونات اللبنانية، لإعلان أولى حكومات العهد الجديد، تحاول بعض الأطراف السياسيين إضفاء مناخات إيجابية مترافقة مع هذه المشاروات، غير أنها لم تُترجم على أرض الواقع بشكل ملموس، بانتظار مزيد من الوسطات والاتصالات، علّها تؤدي إلى تصاعد"الدخان الأبيض الحكومي" في وقت قريب.

أما إذا استمرت المماطلة في "التشكيل"، وعرقلة انطلاق عجلات المؤسسات، فهذا الأمر يؤشّر إلى أن بعض القوى السياسية المستفيدة من قانون الستين تعمل على إضاعة الوقت، إلى حين الوصول إلى المهلة القانونية الملزمة لوزير الداخلية، كي يدعو الهيئات الناخية إلى اختيار نواب الأمة، وهذه المهلة واقعة في شباط المقبل.

ولاريب أن تأخير تأليف الحكومة يضيّق من أفق إمكان إقرار قانون انتخابي جديد يحقق عدالة التمثيل، وقد تصل الأمور إلى حدّ يجد فيه وزير الداخلية نفسه مضطراً لدعوة الهئيات الناخبة إلى الانتخابات النيابية وفقاً لقانون الستين، إذا لم يؤجَّل الاستحقاق النيابي مجدداً.

وما يرفع منسوب الشك أن هذا التأخير المتعمَّد، هو أن تيار "المردة" لم يتلقَّ أي عرض جديد من الجهات المعنية بالتشكيل، للبحث فيه، لإعلان موقفه من المشاركة في الحكومة أو عدمها، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل حول ما إذا كان "تيار المستقبل" يسعى إلى إبقاء القانون الانتخابي الراهن، لتأمين وصول كتلة نيابية وازنة، علّها تمكّنه من الاستئثار بالسلطةمجدداً؛ كما كان سائداً في الأعوام الفائتة.

وتعقيباً على ذلك، تؤكّد مصادر سياسية واسعة الاطلاع أن "الستين" لم يعد صالحاً للمرحلة المقبلة، واعتماده أو التمديد للمجلس الحالي يشكلان انتكاسة للعهد، كذلك فإن "الستين" لم يعد ملائماً لـ"التيار الأزرق"، خصوصاً بعد التقارب بين التيار الوطني الحر و"القوات اللبنانية"، والذي قد يتطور إلى تحالف انتخابي، ما يحدّمن قدرة الحريري في مصادرة الصوت المسيحي، حسبالمصادر التي ترجّح إقرار قانون جديد "أكثري" و"نسبي".

وتلفت إلى أن العقدة الحقيقة في "التشكيل" أبعد من حصة وزارية، بل لها علاقة بزعامة الشارع المسيحي؛ من هي الشخصية التي تتأهل للانتخابات الرئاسية المقبلة، وتكشف أن الرئيس نبيه بري، يحاول الحصول على تعهُّد من حزب الله بتبنّي ترشيح النائب سليمان فرنجية. في المقابل، يسعى رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع إلى حصار الأول في الحكومة، ومن ثم في المجلس النيابي المرتقَب؛ في محاولة لإضعافه وقطع الطريق عليه، لذا يعارض تولّي "التيار الأخضر" وزارة أسياسية، مستفيداً من تموضعه السياسي الراهن داخل "البيت المسيحي" في حربه على فرنجية.

وعن إمكان تدخُّل حزب الله لحل العُقدة الحكومية، تستبعد المصادر ذلك، موضحة أن "الحزب" سبق وتدخّل لإقناع حليفه "التيار الحر" بإسناد وزارة المالية إلى حركة "أمل"، وإلى شخص الوزير علي حسن خليل تحديداً، ولن يتدخّل مرةً أخرى لدى "التيار"، كذلك لن يتجاوز دور بري، بعدما فوضه "الحزب" وسواه من قوى الثامن من آذار بمشاورات التشكيل.