قضية جديدة تشغل المجتمع اللبناني. غائب عنها الإعلام كما المعنيون في قضايا الإتصالات وأيضاً بعض الضحايا ومن هو مستفيد. إنَّما ليس بعد اليوم.

قرّرنا فتح القضية على مصراعيها بعد أن أصبحت تهدِّد أمن الوطن كما أمن المواطن.

إنّها أرقام دولية ذات الرمز 1+ يُستَحصلُ عليها عبر تطبيقات مجانية موجودة على شبكة الإنترنت تُستعمَل لإرسال الرسائل عبر برامج "واتساب"، "تانغو" و"فايبر" وغيرها .

يُخَيَّل للمتلقّي للوهلة الأولى أنها أرقام أميركية من إحدى الولايات الأميركية؛ ليتبيَّن أنّها أرقام حقيقيّة أو وهمية ناتجة عن تطبيقات قرصنة الكترونية مجانية .

تختفي هويّة المرسل الحقيقية خلف هذه الأرقام فيتحول تطبيق الواتساب أو غيره إلى أداة جرمية لعمليات عدّة.

عدا إقلاق الراحة والأذى النفسي الذي يمكن أن يسبّبه متوسّلو هذه الوسائل الخبيثة للمرسل إليهم؛ تبيّن لنا من الشاكين الذين قصدونا وبعد تحقيق ميداني، أن الكثير من المواطنين يتعرّضون بواسطتها لعمليات تهديد وابتزاز واحتيال واختلاق جرائم. من الممكن أن يودي ذلك بحياة بعض المراهقين أو يوصل أفراد العائلات إلى ما لا تُحمَد عقباه. هذا من جهة، من جهة أخرى المسّ بالمعتقدات والتحريض المذهبي والطائفي قد يطرح أكثر من علامة استفهام.

يظنّ البعض أن كشف هوية المرسل مهمة مستحيلة فيتقاعس عن تقديم الشكاوى؛ ويظنّ المرسلون المتخفون أن هويتهم الحقيقية محميّة للأبد فيواظبون على أفعالهم .

الفريقان على خطأ.

قبل البحث في مهمة سقوط الأقنعة؛ لا بدّ من التوقف عند المسائل التالية التي تداولنا بها مع كبار المعنيين:

أوّلاً: هنالك إشارات جدّية أنّ بعض أفراد التنظيمات الإرهابية تتواصل فيما بينها عبر أرقام التطبيقات هذه.

ثانياً: إنّ هذه الأرقام ذات الرمز 1+ قد يستعملها العدو لأغراض مخابراتية تجسسية أو أمنية.

ثالثاً: إنّ الرقم الواحد قد تستعمله أكثر من جهة بفترات زمنية متتالية أو متزامنة، ما قد يورط بعض المستخدمين اللاعبين الصغار بمسائل أمنية خطيرة من غير علم أو دراية.

رابعاً: إنّ الكثير من هذه الأرقام هي حقيقية وفاعلة في الولايات المتحدة الأميركية، ويتم فعلياً قرصنتها من قبل التطبيقات التي تسرق رموزها، ما دفع ويدفع بمالكيها لتقديم شكاوى جزائية هناك أحيلت إلى الإنتربول الدولي، جرى على أثرها توقيف من استخدمها أو تمّ تعميم هوياتهم.

خامساً: إنّ تطبيق "الواتساب" كما "فايبر" و"تانغو" يحفظ هذه الأرقام بعد إجراء حظرها من المرسل إليه ويرسل تقارير فيها إلى الأجهزة المختصة .

سادساً: سؤال مركزي، طالما تبين أن بعض هذه الأرقام هي فعلاً أميركية؛ فلماذا تسمح السلطات في الولايات المتحدة الأميركية بوجود وتداول هذه التطبيقات التي تستعمل أرقام بلادها؟

إنّ الجواب على ذلك قد يكمن في اتجاهات عدّة تستحق التوقف عندها:

1-أسباب ومعايير أمنية استخباراتية دولية تهدف إلى كشف الجرائم المنظمة ومنها الإرهابية .

2-أسباب ومعايير دولية لكشف قراصنة الجرائم الالكترونية والمعلوماتية.

3-أسباب تجسسية.

4-أسباب سياسية وأمنية خاصة باستراتيجية الدولة الدفاعية .

5-تم فعلاً حظر العديد من البرامج والتطبيقات التي تمنح مجاناً أرقاما وهمية وملاحقة المسؤولين عنها ومستخدميها وتمت معاقبتهم.

6-بعض هذه البرامج غير المرخصة صُمِّمت من شركات خاّصة تهدف لجني الأرباح عبر الإعلانات من داخل أو خارج أميركا وقد جرى ملاحقة أصحابها ومستخدميها .

ما يهمّنا في لبنان هو وضع هذه القضية تحت مجهر السلطات الأمنية ووعي الرأي العام. نعم، يجب الحذر من الأرقام ذات الرمز 1+ التي تتداول عبر "الواتساب" وغيره بهويات مقنّعة وإهمال الردّ عليها، ثمّ الإبلاغ عنها فوراً ​الأجهزة الأمنية​ والقضائية ليصار إلى اقتفاء أثرها. كما لا بدّ للوزارات المعنية من نشر التوعية بهذا الخصوص لا سيّما في المدارس والجامعات.

إن ما نورده اليوم ينطبق جملة وتفصيلاً على التطبيقات التي تمنح أرقاماً دولية مجانية للاتصالات الدولية الصوتية أو المرئية عبر شبكة الإنترنت.

أمّا لجهة كيفية كشف هوية المرسل؛ تبيّن أن كشف الهويات الحقيقية للمرسلين تمهيداً لمراقبتهم وتوقيفهم سواء بناء على شكوى المتضرّر، أو بتحرّك فوري للأجهزة الأمنية يتمّ عبر تواصل الأجهزة الأمنية المحلية والدولية فيما بينها وتبادل المعلومات، سنداً لاتفاقيات أمنية مشتركة أو في إطار التعاون الدولي لكشف الجرائم المنظمة والجرائم العابرة للحدود. خيوط وأدلّة عدّة تُرفَع من فضاء الجريمة السيبيري للغاية هذه .

نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :

-كشف الموقع الجغرافي للشبكة التي تمّ عبرها تسجيل البريد الالكتروني الذي استُعمل للحصول على الرقم ذي الرمز1+ وكشف رمز الإرسال الخاص بهذه الشبكة المعروف بالـ"سيرفر"، ما يوصل حتى إلى الدلالة على المنزل أو المقهى أو الهاتف الذي جرى منه تسجيل البريد الالكتروني. علماً أنّ هذا الأثر يبقى محفوظاً لدى شبكة البريد الالكتروني للأبد.

-تعمد بعض التطبيقات إلى سرقة كامل محتويات وملفات وبيانات وأرقام جهاز الكومبيوتر أو الهاتف عند مجرد الضغط على زر التسجيل لها فتصبح مركزا هاما لتسليم المعلومات عند الطلب؛ وبذلك تحمي مالكيها من التورط بقضايا المستخدمين، واعتبارها مشتركة في أي عمل جرمي فردي او أمني.

-تعمد التطبيقات عند الطلب الأمني منها على تسليم كامل البيانات المتعلقة بمستخدميها، والأرقام المستعملة من الفرد لا سيما عند استعمال خاصيّة "تبديل الرقم" بحيث يسهل معه كشف هوية المستخدم.

وتكثر الوسائل المعتمدة بالأجهزة التقنية المتطورة التي هي بعهدة الأجهزة الأمنية اللبنانية والتي بموجبها تمّ إلقاء القبض على العديد من الشبكات والأفراد الخطرين.

نضع هذه القضية بعهدة وزير الدفاع الوطني ووزير الداخلية، ونحن كلنا ثقة بأنها أساساً تحت المجهر الأمني. نعم، الفضاء الالكتروني حدود وطنية جديدة في عصرنا الحديث تُضاف للحدود البرية والبحرية والجويّة ولا يمكن حمايتها إلا بتضافر جهود المواطن والدولة.

المواطنة في عصرنا لن تنمو إلا مع إشراك جيل الانترنت الواعي ورواد وسائل التواصل الإجتماعي الوطني .

خطوة لا بد ان تتبعها تشريعات حديثة ومراسيم تطبيقية عدة حول عالم التكنولوجيا. التطور التشريعي والأمني واجب في عصر ينتقل فيه الإرهاب من المغاور إلى شاشات الكومبيوتر و الهواتف .

يجب أن يفهم القراصنة والإرهابيون والمهووسون أن عصر انتهاك حياة الناس وتعريضها للخطر قد ولى، وذلك كي لا نكتشف لاحقاً أن ثمة إرهابياً قد استخدم رقماً يبدأ بالرمز1+ ويكون الإكتشاف متأخراً ...