ضجّ الإعلام بالهجوم الكيميائي الذي حصل في خان شيخون، والذي راح ضحيته العشرات من الضحايا، وبينهم أطفال، بحسب الصور التي نشرتها وسائل المعارضة السورية. تباينت ردود الفعل على الموضوع؛ فالدول الغربية ومعها وسائل المعارضة سارعت لاتهام النظام السوري بالجريمة، بينما قام إعلاميون وناشطون بتفنيد الصور ونشر "أدلة" على أن الصور المنشورة مفبرَكة، وساق البعض اتهامات مضادة للمعارضة، وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي بسيناريوهات تفيد بـ"حقيقة" ما حصل.

بغض النظر عن الاتهامات المتبادَلة حول الموضوع، لكن سياق وتطوُّر الأمور الميدانية والسياسية الدولية تشي بالكثير حول "طبيعة" و"توقيت" الهجوم الكيميائي في هذا الظرف بالذات، كما يمكن تفنيد الجهات التي ستتضرر - إعلامياً وسياسياً على الأقل - من هذا الهجوم:

1- إدارة الرئيس ترامب، خصوصاً بعدما برزت تصريحات عدّة لمسؤولين في البيت الأبيض ولسفيرة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة، كما لوزير الخارجية الأميركي تيلرسون من تركيا؛ حول أن هدف إسقاط الأسد لم يعد أولوية بالنسبة للولايات المتحدة. واليوم يأتي هذا الهجوم الكيميائي وصور الأطفال القتلى اختناقاً، ليشكّلا منصة يمكن أن يستغلها خصومه "الديمقراطيون" للتصويب على الرئيس وإدارته، باعتبار أن سياسة البيت الأبيض في سوريا، والتي تركّز على أولوية مكافحة الإرهاب وإبقاء الأسد في الحكم، باعتبارها خطأ كبيراً كون "الأسد يقصف شعبه بالكيميائي، ويتخطى الخطوط الحمر الدولية حول حظر استخدام أسلحة محرَّمة".

2- روسيا، التي دعمت وما زالت تدعم الرئيس السوري، ويعيش الداخل الروسي اليوم توتراً على مسارين: خروج الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع موسكو للتظاهر ضد ما أطلقوا عليه "الفساد المنتشر" في الطبقة الروسية، بالإضافة إلى التفجير الإرهابي الذي طال محطات المترو في سان بيترسبورغ خلال زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى المدينة.

وفي كلا الحالتين، تحاول المعارضة الروسية وداعموها أن يربكوا السلطة في موسكو، من خلال المظاهرات ضد الفساد بالدرجة الأولى، ومن خلال التصويب على أن الحادث الإرهابي في سان بيترسبورغ يعود إلى التدخُّل الروسي في سوريا لـ"حماية الأسد ونظامه"، وأن هذا التدخُّل أجّج الأحقاد ضد الروس في العالم، كما يحاول هؤلاء التصويب على أن كل ما يعاني منه الروس من أزمات اقتصاية داخلياً، كما التهديدات الأمنية يعود بشكل أساسي إلى التدخُّلات الخارجية، سواء في أوكرانيا أو سوريا.

واليوم، وعلى مسافة أيام من تفجيرات المترو في سان بيترسبورغ، يحصل "الهجوم الكيميائي" في خان شيخون، ويصوّب الإعلام الغربي على مسؤولية الرئيس السوري (حليف الروس) عن الهجوم، بما يعني إحراجاً متزايداً للحكومة الروسية في الداخل والخارج.

3- النظام السوري: في ظل تحسُّن ميداني واضح لصالح الجيش السوري وحلفائه، وفي ظل انقلاب موازين القوى الدولية لصالح النظام، سواء لجهة إقرار الإدارة الأميركية ومن ورائها المسؤولين الأوروبيين بأن الأولوية هي لمكافحة الإرهاب وليس للدخول في مشاريع تغيير النظام وإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، أو لجهة اعتراف العالم بشكل واضح بما كانت تقوله سوريا؛ بأن هناك قوى إرهابية يجب التخلُّص منها في سوريا قبل أي شيء.. أمام كل هذه التطورات التي تُعدّ بشكل أكيد لمصلحة النظام السوري، حصل الهجوم الكيميائي في خان شيخون.

أي مراقب عاقل يريد أن يحلل الأمر بطريقة علمية غير انفعالية ولا عاطفية، تكون فرضية قيام النظام السوري بهذه المجزرة كفرضية مقاتل يطلق رصاصة على رجله، بعدما وصل على مسافة قريبة من الانتصار.

لطالما عُرف النظام السوري منذ عهد الأب إلى الابن بـ"الدهاء" السياسي، وأنه استطاع أن يمارس سياسة حافة الهاوية بدون أن يسقط فيها، وحتى أكثر المعارضين للنظام السوري يعترفون له بالقدرة على اللعب على التناقضات، وعلى التخلص من ضغوط دولية وإقليمية وداخلية بذكاء.. لذلك، وانطلاقًا من هذا التاريخ، يكون "هجوم النظام" الكيميائي على إدلب خارج السياق العام للتطورات الإقليمية والدولية التي باتت تلعب لصالح النظام وليس ضده.

بكل الأحوال، ومع الأسف الشديد على الضحايا المدنيين الذين سقطوا في إدلب، هذا الهجوم الكيمائي يأتي اليوم لصالح المعارضة السورية وداعميها الإقليميين والدوليين - الأوروبيين، وبالتأكيد النظام ليس بحاجة لأن يقوم به في مطلق الأحوال، فهو لا يحقق له نتائج ميدانية عسكرية، ويضرّ به من الناحية السياسية والدبلوماسية والإعلامية، ويبقى المتضرر الأكبر هو الحل السياسي في سوريا.