تفرض نظرية إصلاح نظامنا البرلماني ذاتها، ولا ندّعي، في هذه العجالة، أننا نتقدّم بنظريات مهما كانت جديتها، فقط نخلص من اليوم «النقاشي» الطويل الى أن ثمة شوائب بارزة وخروجاً على الأصول البرلمانية أشد بروزاً.

إذ كيف تمثل الحكومة أمام ذاتها؟! السؤال مطروح ليس من باب المزحة، إنما من الواقع والحقيقة. فهذه التركيبة الحكومية تمثل شبه إجماع نيابي. الكل مشارك فيها باستثناء نواب حزب الكتائب الخمسة ونحوهم عدد من «المستقلين» (مع عدم موافقتنا على توصيف «مستقلين» لنواب نعرف، ويعرف اللبنانيون ارتباط معظمهم ومرجعياتهم).

من هنا كنّا، ولا زلنا، نقول بالفصل بين النيابة والوزارة. فالنائب له شغلة محددة مزدوجة: ان يشترع ويراقب. لهذا هو السلطة التشريعية و.. الرقابية.

وعندما يكون النائب عضواً في الحكومة، كما هي حكوماتنا المتعاقبة في معظم اعضائها، بمن فيهم اعضاء حكومة «استعادة الثقة» الحالية، فكيف سيراقبون أنفسهم؟ وعلى أي قاعدة، وبأي مقياس؟ وبأي معايير؟!.

إنه سؤال يطرح ذاته بذاته من زمان في لبنان. ولقد تلقف الجواب عليه، عملياً حزبان لبنانيان رفضا الدمج بين الوزارة والنيابة منذ تجربتهما (المستجدة) في السلطة هما حزب التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. وحسنا فعلا.

ثمة شائبة أخرى بارزة هي أيضاً نتيجة الجمع بين الوزارة والنيابة وهي تتمثل في استرسال بعض النواب في توجيه الإنتقادات الشديدة للحكومة حتى لتخالهم من أشد المعارضين لسياستها... وعند النتيجة يتبين ان كلاً من أصحاب السعادة المتحدّثين، والمعترضين، والمحذّرين، والمنتقدين هم في صلب الحكومة، وممثلون بأعداد من الوزراء... وما يعارضونه أو ينتقدونه أو يأخذون عليه المآخذ من أعمال الحكومة إنما هو قرار أو عمل أو تدبير إتخذته الحكومة بالتوافق أو بالإجماع، وربما كان الوزراء الذين يمثلون هؤلاء المعترضين في طليعة المؤيدين.

ولا يعتد بما يقوله نائب من هذا الحزب أو ذاك الفريق أو ذلك الإئتلاف بأنّ فريقه عارض في مجلس الوزراء بنداً من هنا وفقرة من هناك...

هذا كلام هراء. فالمبادىء الدستورية واضحة ولا تقبل أي إجتهاد أو تفسير خاطئين: الحكومة كيان واحد يضم مؤيدي قراراتها وغير المؤيدين من الوزراء. وبالتالي عندما يصدر القرار، سواء أبالإجماع أم بالأكثرية الواجبة قانوناً، فإن جميع الوزراء يكونون ملزمين ليس فقط بالقبول بل أيضاً بالدفاع عن القرار أو التدبير... عملاً بمبدأ التضامن الحكومي. ومَن لا يريد أن يتضامن ويلتزم فليس أمامه سوى الإستقالة... وهذا أضعف الإيمان!

متى نصل الى يوم نمارس فيه ديموقراطيتنا بمقتضى الأصول والقوانين وليس وفق الأمزجة والمصالح و«رِجل في البور ورِجل في الفلاحة»؟!.

إننا بلد سباق في المسار الديموقراطي في هذه البقعة المضطربة (ابدا) من العالم... فلا يجوز أن نتراجع الى ذيل الركب.