كان من المفترض أن يعود أهالي ​بلدة الطفيل​ الحدودية الى أرضهم ومنازلهم خلال الأيام القليلة الماضية بعد تهجير دام سنتين و11 شهراً، لكن العودة التي أعلن عنها في لقاء رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله الشيخ ​محمد يزبك​ ومفتي بعلبك السابق الشيخ بكر الرفاعي مع حشد من أهالي الطفيل، تأجلت بحسب المتابعين لأيام قليلة فقط، والسبب ليس الإشتباك السياسي الذي دار بين يزبك ووزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ عندما ردّ الثاني على دعوة الأول القوى الأمنية لمواكبة عودة الأهالي بأن "الوزارة لا تتلقى أوامر عبر المنابر من الشيخ يزبك أو غيره".

سبب تأجيل العودة الى الطفيل، يعود الى ترتيب بعض الأمور الأمنية اللوجستية التي تتطلب تحضيراً وتنسيقاً بين الأجهزة العسكرية والأمنية.

أولى هذه الترتيبات، تأمين مواكبة أمنية وعسكرية بالتنسيق بين وزارتي الدفاع والداخلية لموكب العودة، وإختيار الوزارتين الطريق ال​لبنان​ي الأسهل للعودة، والإختيار هنا سيكون بين طريق جرود بريتال–الطفيل، وطريق جرود حام–معربون–الطفيل، وكلها طرقات وعرة غير معبّدة.

الترتيب الثاني، يتطلب إستحداث نقطة حدودية للأمن العام لأن مختار الطفيل علي الشوم، إشترط منذ بداية المفاوضات أن يعود مع أهالي بلدته، السوريون الذين كانوا يعيشون في الطفيل قبل التهجير وعددهم يقارب الألف نسمة. يوم هرب هؤلاء من البلدة اللبنانية المنسيّة الى عرسال، سلكوا طرقات الجرود وبالتالي دخلوا بطريقة غير شرعية، حتى أن سياراتهم الرباعية الدفع، تحمل لوحات سورية، وهي أيضاً غير مسجلة في لبنان، لذلك فعودة هؤلاء الى الطفيل تحتاج الى معبر حدودي لتسجيل أسمائهم وضبط حركتهم في حال عاد منهم من يريد الى لبنان.

العودة مهمة جداً بالنسبة الى أهالي الطفيل وهم ينتظرونها بفارغ الصبر، لكن الأهم، هو تعبيد الطريق التي تربطهم ببلدهم الأم، لوضع حد ولو جزئي لمعاناتهم، وعن هذه المعاناة يقول أحد أبناء البلدة، "على سبيل المثال لا الحصر، إذا أردنا أن نحصل على إخراج قيد فردي أو عائلي من دائرة نفوس بعلبك، فالمعاملة تكلفنا بين 100 و150 دولاراً للإنتقال من الأراضي السوريّة والدخول الى لبنان عبر نقطة المصنع ومن ثم الإنتقال الى بعلبك، هذا فضلاً عن المعاناة الجسدية والنفسية التي تنتج عن طول المسافة، وأحياناً نصل الى دائرة النفوس بعد إقفالها بسبب إنتهاء الدوام الرسمي للموظفين، الأمر الذي يجعلنا نبيت ليلتنا إما في فندق وإما عند أحد الأصدقاء إذا توفّر". لذلك فتعبيد الطريق من لبنان الى الطفيل، الجزيرة اللبنانية المنسية على الحدود السورية، هو شريان الحياة هناك وهو الأمر الوحيد الذي يعيد ربط الأهالي ببلدهم، والذي يسمح للدولة إذا أرادت أن تقوم يوماً بواجباتها مع أهالي الطفيل، وفي هذا السياق، يحضر السؤال، هل يصدّق عقل بشري أن اهالي الطفيل لا يحصلون على شبكات الكهرباء والمياه والإتصالات الأرضية من الدولة اللبنانية؟. وهل من المسموح في منطق قيام الدول، أن يحصل أهالي الطفيل اللبنانيون على التغذية الكهربائية من الشبكة السوريّة، غير أن من يتقاضى الفواتير منهم هو الجابي التابع لمؤسسة كهرباء لبنان؟.

إنه بلد العجائب.