كانت ​إيران​ تجدد لرئيسها ​حسن روحاني​ بانتخابات ديمقراطية، لم يكتف الغرب بقراءة دلالاتها، بل تمعّن في النتائج البلدية وخصوصا في طهران. الإيرانيون قالوا: هذا هو خيارنا، تحت سقف الجمهورية الاسلامية. لكن الغرب رأى في فوز "المعتدلين" رسالة تخلٍّ جماهيرية عن القضية المركزية الإقليمية، وعن دعم حركات المقاومة. رغم ذلك كان الغرب نفسه يتفرج على ادراج قمة الرياض لطهران في خانة القوى الإرهابية. هي مفارقة لافتة أن يقرّ الغرب بإختيار الايرانيين نهج الانفتاح والدبلوماسية، وفي الوقت ذاته يسعى زعيم الغرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى ادانة الإيرانيين.

في قمة الرياض مؤشرات تبدأ بتشكيل تحالف "ضد الارهاب". ما هي حدود عمله؟ تمّ الحديث عن تحضير عشرات الاف جنود الاحتياط للتدخل في سوريا والعراق حيث تدعو الحاجة. متى تدعو الحاجة؟.

الاميركيون يساندون العراقيين منذ سنوات في حربهم ضد الارهاب وخصوصا "داعش"، ويقدمون الدعم العسكري لحلفائهم في سوريا شمالا وشرقا وجنوبا. ليست في خيارات البيت الابيض ادخال جيوش أميركية جرّارة الى الميدان، بل توجيه الكرد شمالا، وعشائر عربية شرقا، ومجموعات مسلحة جنوبا، عبر مستشارين وقوات رمزية. ما يعني ان الحلف المستحدث يعتمد على قوات برية من الدول الخليجية والعربية والاسلامية. دول الخليج غارقة في حرب اليمن، ولها مصلحة بزجّ قوات عسكريّة هناك لا في سوريا ولا العراق. مصر تمايزت وذهب رئيسها عبدالفتاح السيسي للحديث عن وجوب استئصال الارهاب بوقف التمويل والدعم. للدول الإسلامية هموم أخرى وحسابات مختلفة عن حسابات الرياض.

هل يعني ان قمة الرياض كانت مجرد استعراض؟ وحدها الايام المقبلة كفيلة بتظهير النتائج، لكنها رفعت من معنويات الجبهة الاقليمية التي تحارب المحور السوري-الايراني-الروسي. يدرك الاميركيون ان مجرد اعلان حلف بحجم قمة السعودية هو اصابة الحلف الآخر في الصميم. لكن القمة حتى الآن لن تقدم سوى مزيد من الضغوط الغربية-الخليجية على ايران. تعرف واشنطن ان مفعول العقوبات المالية اكثر تأثيرا، لذلك يُمسك البيت الابيض بالملف المالي لفرض عقوبات جديدة تطال حلفاء ايران، و تحديدا حزب الله. هذا ما تحضره واشنطن لتنفيذه الشهر المقبل، انطلاقا من فهم اميركي يقوم على اساس: حصار مالي للمقاومة يدفعها للرضوخ.

في سوريا التكتيك الاميركي مختلف. كل المؤشرات الميدانيّة توحي بأن واشنطن تقوم بمحاصرة الدولة السوريّة في مساحة داخلية مهما كان حجمها او الامتداد الديمغرافي فيها. هي تريد منع "النظام" من الوصول الى الحدود الشمالية، والشرقية والجنوبية. هذا ما أظهره الاستهداف الاميركي لقوات حليفة لدمشق منعها الطيران الاميركي من الوصول الى معبر "التنف" الحدودي. علما ان الحديث يتكرر عن تجهيز الاميركيين والاردنيين لحشود عسكرية للدخول من الجنوب السوري. هو مجرد إعتراض واجهاض لأي تفكير سوري بالتقدم الى ما بعد درعا. كذلك الامر تكرر في الشمال، والشرق، بعد توافر معلومات عن تحشيد عسكري سوري للتقدم نحو دير الزور او الرقة. بينما جهّزت واشنطن ودعمت الكرد لتوسيع نفوذهم شمالا.

الباحثون في السياسة يرصدون رغبة أميركية لقطع تواصل السوريين مع الساحات الاقليمية. ثم فرض مفاوضات للتسوية يكون فيها الكرد شمالا، وعشائر تابعة لأحمد الجربا شرقا، ومجموعات اخرى جنوبا، هم جميعهم عناصر اساسية في تكوين المستقبل السوري الى جانب "النظام".

هذا ما يتم رسمه. لكن الواقع الميداني هو الذي يرسم المعادلات.