علق المضربون في سجون الاحتلال الصهيوني إضرابهم عن الطعام والذي دام لمدة 41 يوما، بعد أن تم رضوخ سلطات الاحتلال الصهيوني لبعض المطالب الإنسانية، والدخول في مفاوضات مع قادة الإضراب حول المطالب الأخرى.

ولم تنجح المحاولات الصهيونية لإثارة الانقسام بين المضربين أو تجاهل قادتهم واستثناء مروان البرغوثي من عملية التفاوض، واضطرت إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية إلى التسليم بمشاركته في المفاوضات بعد أن رفض المضربون أي مفاوضات من دون البرغوثي وهو ما اعترفت به صحيفة هآرتس الصهيونية التي قالت إنه جرت خلال الأسبوعين الأخيرين اتصالات بين مسؤولين كبار في الشاباك ومسؤولين فلسطينيين، نوقشت خلالها مطالب الأسرى وطرحت خلال تلك الاتصالات نية المؤسسة الأمنية التجاوب مع قسم من مطالب الأسرى وتحسين ظروف اعتقالهم، مع ذلك طالب الشاباك بإنهاء الإضراب أولاً. وقالوا في الجانب الفلسطيني إن الشاباك طالب طوال الوقت باستثناء البرغوثي من المحادثات، لكن البرغوثي شارك في المفاوضات التي جرت في سجن أشكلون، وكان من بين الذين قادوا إلى إنهاء الإضراب». طبعا بعد تلبية جزء من المطالب والاستعداد لمواصلة التفاوض لتلبية الجزء الآخر من هذه المطالب. حسبما قال البرغوثي في إعلان تعليق الاضراب، فأكد على الجاهزية لإعلان الإضراب مجددا في حال لم تف مصلحة السجون بالوعود التي قدمتها للأسرى.

وهذا دليل واضح على فشل مصلحة السجون الصهيونية في الإصرار على موقفها في رفض التفاوض مع قادة الإضراب وعدم التجاوب مع مطالبهم.

لكن ما العوامل التي أجبرت سلطات الاحتلال على التراجع عن موقفها؟

في هذا السياق يمكن تسجيل العديد مع العوامل أهمها:

العامل الأول والأساسي هو صمود الأسرى في مواجهة عمليات القمع والإرهاب والعزل، واستمرارهم بالإضراب لمدة 41 يوما من دون أن يظهر عليهم أي ضعف أو تهاون في موقفهم، الذي تجسد في إحباط كل المحاولات الصهيونية لكسر الإضراب، أو النيل من وحدتهم وتماسكهم، مجسدين بذلك نموذجا متقدما في مقاومة الاحتلال والوحدة الوطنية. والتي تجسدت في الموقف الذي أعلنه أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات من داخل زنزانته من أنه يرفض أي مفاوضات مع سلطات الاحتلال إلا بقيادة مروان البرغوثي.

العامل الثاني: الهبة الشعبية في داخل فلسطين المحتلة نصرة للأسرى في إضرابهم، وتحول هذه الهبة إلى مواجهات مع قوات الاحتلال، ومظاهرات ومسيرات واعتصامات مستمرة، الأمر الذي بدأ ينذر باتساع شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثالثة التي انطلقت من القدس، لتشمل الضفة الغربية، وهو ما أثار قلق سلطات الاحتلال الصهيوني، حيث قالت صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية: «إن الجيش الإسرائيلي يستعد لموجة عمليات في الضفة الغربية بداية من يونيو المقبل (الجاري) وأن تصعيد الأحداث في الفترة القادمة يرجع إلى استمرار إضراب الأسرى واستهداف الفلسطينيين وقتلهم وبدء شهر رمضان.».

وفي هذا السياق قال ضابط كبير في جيش الاحتلال للصحيفة: «إن إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام لم يخرج الجماهير الفلسطينية بعد للشارع، ولكن ليس من المؤكد أن يستمر الحال على ما هو عليه الآن، وأحداث بلدات سلواد والنبي صالح قرب رام الله، وما جرى في حواره جنوب نابلس سيحول أشهر الصيف لأشهر ساخنة بوجه خاص».

وأشار إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستعد لمواجهة شهر رمضان والذي في العادة يشهد أحداث وتوترات أمنية، مما يستدعي بالدفع بمئات الجنود في مناطق المواجهات، وعلى طول الطرقات ومن حول المدن الفلسطينية. مضيفا أن جيشه يقوم بعمليات اعتقال واسعة في الضفة الغربية من أجل منع توسع حجم الأحداث».

العامل الثالث: حملة التضامن العربية والإسلامية والدولية مع الأسرى المضربين، والتي عكستها عودة الحياة إلى التحركات الشعبية الداعمة للشعب العربي الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال الصهيوني، مما أعاد توجيه البوصلة نحو فلسطين وهو أمر لم يكن ممكنا لولا إضراب الأسرى الذين نجحوا استنهاض الشارع وتحريك الرأي العام العالمي.

ولا شك أن إسرائيل كانت تنظر بقلق إلى عودة تحرك الرأي العام باعتباره فشلا لكل محاولاتها تهميش القضية الفلسطينية وطمسها، فهي اعتقدت أن ما يحصل من صراعات وحروب عربية عربية وداخلية وانشغال العالم في هذه الصراعات سوف يؤدي إلى شطب القضية الفلسطينية من الاهتمامات، وبالتالي لن يلقى إضراب الأسرى أي اهتمام أو تأييد وتضامن، لكن ما حصل كان العكس.

العامل الثالث: اضطرار المنظمات الدولية إلى التحرك بعد أن بات محرجة أمام ضغط الرأي العام الذي يندد بصمتها وعدم تحريكها ساكنا للتنديد بالممارسات الإسرائيلية التعسفية بحق الأسرى، والمخالفة لشرعة حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف. لقد أكد إضراب الأسرى أن سلطات الاحتلال الصهيوني لا يمكن أن تسلم بالمطالب إلا بالمقاومة الصلبة والقوية التي لا تهتز أو تنكسر في مواجهة آلتها القمعية، وأن تحقيق المطالب الإنسانية عبر معركة الأمعاء الخاوية إنما هو دليل ساطع على هذه الحقيقة، ولهذا فإن تحرير الأسرى لا يمكن أن يتحقق من دون مقاومة، وهو ما دفع البرغوثي إلى مطالبة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير والفصائل الوطنية والإسلامية للقيام بواجبها الوطني حيال الأسرى من خلال العمل على تحريرهم وإطلاق سراحهم، مجدداً التحذير من أي استئناف للمفاوضات قبل اشتراط الإفراج الشامل عن كافة الأسرى والمعتقلين.