كيف يكون الثنائي ناجحًا في الحياة؟ تتفاوت المعايير بين طبيعة العلاقة التي تربط بين شخصين سواء تحت سقفٍ واحد أم قضيةٍ واحدة أم عهدٍ واحد. وبين هذه الحالات الثلاث يبقى معيار النجاح واحدًا بغض النظر عن جندر طرفَي العلاقة: عدم السماح لأحد باختراق حصنهما والعبث بعقليهما وتأليب أحدهما على الآخر.

كبيتٍ زوجي ناجح لا تطاله الأيادي الخارجية ولا “حركشات” الحموَين تبدو العلاقة الناشئة بين رجلي العهد ميشال عون و​سعد الحريري​. تفاهم الرجلان منذ البداية على أن يضطلع كلٌّ بدوره وأن يتكاملا متى تطلب الأمر منهما أن يكونا واحدًا.

غائرون لا غيارى...

في غضون الأشهر السبعة من عمر العهد كثيرًا ما حاول الآخرون شقّ صفيهما عبثًا. كثيرًا ما امتدّت الأيادي من النوافذ المفتوحة والمنفتحة الى داخل منزلهما الواحد الذي ما هو سوى العهد الجديد بلا جدوى. كثيرًا ما سعى غائرون لا غيارى الى إجهاض مولودهما عبثًا. بدا الرئيس سعد الحريري شديد التماسك أمام واقعين: صرامة الرئيس ميشال عون وحزمه في الملفات المصيرية ولا سيما قانون الانتخاب، ووشوشات أبناء بيت الوسط والحلفاء التي كان معظمها محرضًا لا محضر خير.

أفضل ما فيه...

أفضل ما في الحريري أنه أجاد إدارة أذنه الصماء الى كلّ هذا البغض النائم في النفوس. أفضل ما في رجل بيت الوسط أنه فهم اللعبة من أساسها ولو أن كثيرين يضربون على وتر “لانضجه” السياسي وهو ما أظهر عكسه تمامًا منذ اختياره رجل العهد الثاني بإجماع سياسي. أفضل ما في الحريري أنه لم يكسر كلمة رئيس الجمهورية ولا سعى الى سرقة مكان أو مكانة

أو صلاحيّة، تمامًا كما لم يصغِ الى من جاءه بوقاحةٍ ذات يوم ليقول له: “ما بالُك تذوب في الرئيس وتُذيب أبناء طائفتك معك”. بسيطًا وعفويًا وصريحًا كان جواب الحريري في كلّ مرة: “ما حدا في يفوت بيني وبين فخامتو”. هو الوعي السياسي في ذاته الذي اكتسبه الحريري وأكسبه المزيد منه رجل الخضرمة السياسة، ذاك الجالس في القصر متصرفًا لا متفرجًا، فاعلًا لا قائلًا...

وكأنه صيغة مقدّسة!

لم يخشَ هؤلاء الحريصون لا بل الخائفون في ثوب الحرص سوى على مصلحتهم وموقعهم في المعادلة الجديدة. واظبوا على دفع الحريري الى تسجيل اعتراضٍ على طروح القصر الجمهوري بلا نوًى. الاتفاق واضحٌ والعهدُ عهد الرجلين معًا لا عهد واحدهما على حساب الآخر. يحقّ للحريري اليوم أن يختال في مسرح تاريخٍ ليقول إنّ في عهده ولد قانون انتخاب جديد طوى تسعة عقود من الانتخاب الأكثري لصالح قانون نسبي وإن لم يكن الأفضل بيد أنه في نهاية المطاف قانون نسبي جديد. يحقّ للحريري أن يتباهى أمام أقرانه بأنه الرئيس الأصغر الذي ينتج مع الرئيس الأكبر صيغةً انتخابية جديدة انتظرها اللبنانيون سنوات وما استطاع “ابن امرأة” أن يفعلها بعدما بدا جميع الرؤساء السابقين راضخين كلّ الرضوخ الى قانون الستين وكأني به صيغة “مقدّسة” محفورة في كتابٍ سماوي يستحيل المساس به من باب “الحلال والحرام” ويغدو فيه الاجتهاد ضربًا من ضروب الكفر والإشراك.

لأنه ميشال عون!

فعلها الرئيس الحريري. نعم، ولكن ما كان ليفعلها لولا وجود رجل يُدعى ميشال عون اعترض كثيرون على وصوله الى قصر بعبدا وإذ بهم إما يعتكفون عن اعتراضهم وإما يتعمّقون فيه لأنه لا يناسبهم هذا النفس التغييري الإصلاحي. هو قانونٌ لكل من همّشتهم القوانين الانتخابية السابقة. قالها سيّد القصر طاويًا مع قانونٍ على “علاته” صفحة عقودٍ من الانتخاب الأكثري الجائر. قرر ميشال عون أن يذهب بوعده حتى النهاية. ما ارتضى بالتمديد في وقتٍ كان كثيرون يشتهونه، ولا بالفراغ ولا حتى بالستين الذي بدا الأقرب الى الظفر في فترةٍ من الفترات من باب تسليم شبه إجماعي بعدم إمكانية ولادة قانون جديد.

رغم الاعتراضات...

حتى اليوم، ورغم بعض الاعتراضات غير الكفيلة بعرقلة مسار القانون الجديد، ورغم بعض “النقّ” القائل إنه سيعود بالطبقة نفسها لا سيّما من خلال الصوت التفضيلي المفصّل على قياس كلّ زعيم بعد جمع الدوائر، ورغم أن بعضهم ينظرون الى التأجيل التقني سنة تقريبًا على أنه تمديد ثالث مقنّع، يقول الواقع إن ثنائية عون-الحريري تمكّنت من اجتراح ما لم تتمكّن ثنائية أخرى من اجتراحه يومًا. أدخلت ببساطة نسبية الى بلدٍ ما كان يحلم ناسُه ومجتمعه المدني يومًا بأن يقترع ببطاقةٍ ممغنطة وبأن يكون للمغتربين ممثلون عنهم وبأن تُمنَح فرصٌ لوجوه جديدة لخرق اللوائح المكتملة... كلّ ذلك ما هو سوى بداية في عهدٍ ذهب من عمره القليل وباقٍ منه الكثير. عهد قد يسجّل في سجلاته الذهبية الرئيسان عون والحريري عندما يرحلان معًا بعد قرابة خمس سنواتٍ ونيّف بأنهما أوجدا ثنائيّة أخرى ناجحة غير الثنائية الشيعية-المسيحية المعروفة منذ شباط 2006 وغير الثنائية المسيحية-المسيحية الناشئة حديثًا. ثنائية رئاسيّة-حكومية جميلة، تقارب الملفات بهدوء وحكمة، تعرف متى تصوّر بطليها في مظهر الجِدّة والجدية ومتى تُخرجهما من أسوار القصر الى باحةٍ يجولان فيها بثياب “سبور شيك”. ثنائيّة بطلاها رئيسُ جمهورية يريد أن يغيّر ورئيسُ حكومةٍ لا يمكنه إلا أن يغيّر.