يُشبّه بعض المُحلّلين السياسيّين التوتّر الحالي بين ​الولايات المتحدة​ الأميركية و​كوريا الشمالية​، بالتوتّر الأميركي-الروسي قبل أكثر من نصف قرن إبان أزمة الصواريخ في كوبا والتي كادت في حينه أن تُشعل حربًا نوويّة عالميّة شاملة(1). فهل نحن فعلاً أمام خطر وقوع مُواجهة عسكرية بين الجيشين الأميركي والكوري الشمالي قد تتطوّر سريعًا إلى مرحلة إطلاق صواريخ بعيدة المدى وحتى برؤوس نوويّة؟.

بحسب خلاصة آراء مجموعة من أبرز المُحلّلين العسكريّين، إنّ الحرب بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأميركيّة لن تقع، على الرغم من كل التهديدات العالية السقف التي تتأجّج حينًا وتخبو حينًا آخر، وعلى الرغم من كل التحضيرات العسكريّة الميدانية. والسبب أنّ إطلاق صاروخ واحد من قبل أي جانب ضُد أي هدف، يعني إعطاء "​الضوء​ الأخضر" لحرب شاملة، وهذا ما يعجز أيّ طرف عن تحمّل تبعاته.

وبحسب المُحلّلين أنفسهم، إن شنّ الولايات المتحدة الأميركيّة أي ضربة عسكريّة جزئية ضُد كوريا الشمالية، لا يُمكن أن يمرّ من دون ردّ كوري على عشرات الأهداف الأميركية في مرمى صواريخها، وكذلك الأمر إنّ إستهداف كوريا الشمالية لأي هدف أميركي، أو حتى لأي هدف يقع في أيّ من الدول الحليفة مثل كوريا الجنوبيّة على سبيل المثال، يعني إستجلاب الردود الأميركيّة الصاعقة عليها. وبالتالي، ولأنّ مُطلق أي ضربة عسكرية صغيرة ستتطوّر تصاعديًا إلى حرب شاملة، يُمكن أن يدخل السلاح النووي ضمنها في حال بلغ التهوّر في ردّ الفعل ذروته، يتصرّف الجميع من مُنطلق عدم حُصول هذه الحرب المُدمّرة التي يُمكن أن تُودي بحياة أعداد ضخمة من المدنيّين.

وبعيدًا عن الإستعراضات الإعلاميّة بين الطرفين، ولوّ أنّها تنطلق من إستعدادات حربيّة تدعو إلى القلق، فإنّ هدف كوريا الشمالية الأساسي هو رفع العقوبات كليًا عنها كما حصل مع ​إيران​(2) أكثر منه إنتزاع إعتراف دَولي بحقّها بأن تكون دولة تملك قُدرات نوويّة وصواريخ عابرة للقارات، وهدفها الثانوي الحُصول على تعويضات وحوافز إقتصادية ومالية للتخلّي عن برنامجها الطموح لتطوير الصواريخ. في المُقابل، إنّ هدف الولايات المتحدة الأميركيّة هو تثبيت نفوذها في آسيا، وإيجاد المُبرّرات المطلوبة لتعزيز قواعدها العسكرية وإنتشارها المُسلّح في تلك المنطقة من العالم، وهدفها الثانوي إستغلال الأزمة للقيام بمُساومة مع كل من ​روسيا​ و​الصين​ تقضي بعدم تعزيز قدراتها العسكريّة في ​كوريا الجنوبية​ بالتحديد وبعدم نشر صواريخ إعتراضية هناك، في مُقابل قيام ​موسكو​ وبكين بلجم التهوّر الكوري الشمالي، وبفتح الأبواب أمام تعزيز الحُضور الإقتصادي الأميركي في هذه البقعة من العالم من دون عقبات و"فيتوات".

في الختام، لا شكّ أنّ الضغوط التي تُمارسها كل من روسيا الإتحادية والصين و​اليابان​ لوقف التصعيد المُتبادل بين ​الولايات المتحدة الأميركية​ وكوريا الشمالية بدأت تؤتي ثمارها، والحلّ لن يكون جذريًا لأي طرف، بل مُجرّد تأخير وإبطاء لبرنامج كوريا الشمالية الصاروخي، ما سيُعطي الولايات المتحدة الأميركية المزيد من الوقت للتوصّل إلى أسلوب لإحتواء تحدّيات الزعيم الكوري الشمالي "​كيم جونغ أون​"، وإرهاق حُكمه الشمولي.

(1) أزمة الصواريخ الكوبية هي أزمة وقعت في العام 1962 في خضم ​الحرب الباردة​ بين الولايات المتحدة الأميركية و​الإتحاد السوفياتي​ السابق، وكادت تؤدّي إلى حرب نوويّة شاملة، نتيجة قيام كل من كوبا والإتحاد السوفياتي آنذاك ببناء قواعد سرّية لصواريخ نوويّة في كوبا، ردًا على نشر أميركا قبل ذلك صواريخ في ​بريطانيا​ وفي ​إيطاليا​ و​تركيا​، لتُصبح موسكو في مرماها.

(2) في تمّوز من العام 2015 توصّلت إيران إلى إتفاق مع مجموعة الدول الخمس زائد واحد يُنظّم جدول رفع العقوبات التي كانت مفروضة عليها منذ عُقود ويسمح لها بتصدير وإستيراد الأسلحة، في مُقابل منعها من تطوير صواريخ نوويّة وقبولها بزيارة مواقعها النووية.