ليس رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ والذي زار يوم أمس ​عرسال​ و​راس بعلبك​، وحده من يسعى لقطف انجاز ​الجيش اللبناني​ في الجرود الشرقية، بل عدد من القوى السياسية الأخرى وابرزها ​حزب الله​ و​قوى 8 آذار​ اضافة الى "​التيار الوطني الحر​". فكما بات معلوما فان ما بعد العملية العسكرية للجيش بوجه "داعش" لن يكون كما قبلها على أكثر من مستوى، خاصة وان دولا كبرى بدأت تقارن بين الانجاز النوعي الذي تحقق في الجرود اللبنانية خلال أيام معدودة، وبين المعارك الطويلة التي تخوضها قوى أخرى في ​سوريا​ و​العراق​ بوجه التنظيم المتطرف وتستمر شهورا ويسقط نتيجتها العشرات والمئات من القتلى.

وان كان حزب الله مصرا على تظهير ما يحصل على الحدود الشرقية كعملية مشتركة كبيرة تُخاض من الجهتين اللبنانية والسورية وهو ما أدّى لتقدم الوحدات العسكرية اللبنانية بهذه السرعة والسلاسة، رغم نفي ​المؤسسة العسكرية​ هذا الموضوع جملة وتفصيلا أكثر من مرة، فان تناتش الانتصار الذي سيصل لخواتيمه قريبا بين قوى 8 و​14 آذار​ أمر متوقع، في ظل الحملات السياسية الكبيرة التي يشنها الطرفان لتصوير التطورات وكأنها تصب لمصلحة مشروع كل منهما، ما يندرج باطار الاستعدادات للانتخابات النيابية المفترض أن تحصل في الربيع المقبل.

وترفع قوى 14 آذار التي عادت من "الكوما" مؤخرا بعيد المعركة التي خاضها حزب الله في ​جرود عرسال​ ومن ثم السجال الذي اندلع على خلفية قرار وزراء حزب الله و"أمل" و"المردة" زيارة دمشق بغياب قرار حكومي في هذا الشأن، شعار اثبات الجيش قدرته على تحرير الاراضي اللبنانية وحماية الحدود، ما يدحض برأيها "الحجج التي قدمها حزب الله للتوجه الى القتال في سوريا، كما التبريرات التي يقدمها هذا الطرف أو ذاك، ومن بينهم رئيس الجمهورية، لاستمرار الحزب بالتمسك بسلاحه من منطلق ضعف الجيش اللبناني وعدم قدرته على المواجهة وحيدا".

بالمقابل، تستثمر قوى 8 آذار وعلى رأسها حزب الله انجاز الجيش في الجرود للحديث عن فعالية ثلاثية "الشعب والجيش والمقاومة"، مع تشديدها على ان ما قام به الحزب في جرود عرسال وما يقوم به في ​القلمون​ الغربي ليس الا "نوعا من التنسيق غير المعلن" بين الطرفين والذي يثبت مرة جديدة وجوب التمسك بـ"خيار المقاومة" الذي تعتبره قوى 8 آذار "عنصر قوة لبنان".

أما "التيار الوطني الحر" فيحاول بدوره تصوير نفسه كـ"أب" الانجاز المحقق، معتمدا على مبدأ ان المعركة لدحر الارهاب عن الحدود الشرقية ما كانت لتتم لولا وجود "رئيس قوي" على رأس السلطة، قادر على تغطية القرار السياسي الذي غاب طوال الفترة الماضية لاعتبارات شتى. وان كان العونيون يراعون اليوم الى حد بعيد رئيس "الحكومة" الذي اتهموه وتياره أكثر من مرة باستخدام حق "الفيتو" طوال الفترة الماضية لمواجهة اي قرار سياسي بـ"التحرير"، فتراهم يقذفون طابة المسؤولية الى طرف مجهول، الا انهم لا يترددون بالتأكيد على تمترسهم في صف حزب الله عندما يتعلق الموضوع برؤيتهم لـ"الاستراتيجية الدفاعية".

بالمحصلة، لا يبدو ان أحدا من الفرقاء قادر على ان يقطف تماما الانتصار المحقق في عملية "​فجر الجرود​" وان كانوا سيعمدون في النهاية وكما دائما الى توزيع ثماره على بعضهم البعض، على أمل ألاّ يفرغوا بذلك انجاز المؤسسة العسكرية من مضمونه!.