لم يكن التزامن بين زيارة الوزير السعودي ​ثامر السبهان​ والموفد الإيراني الى بيروت مجرّدَ مصادفة، فزيارة السبهان التي كانت مقرّرة في وقت سابق، لم تكن في سياق منفصل عن سياسة المملكة في المنطقة في مواجهة النفوذ الإيراني، ولبنان المغيّب جزئياً عن الاهتمام السعودي المباشر عاد ليكون أساساً في ترتيبٍ سيكون هو الآخر جزءاً ممّا يحصل في المنطقة.

وتوجز أوساط ديبلوماسية عربية ما رافق الزيارة بالآتي:

أولاً، ترك الوضع الملتبس في سوريا علامات استفهام حول دور المملكة في التطبيع مع النتائج التي أفرزتها السنوات الست منذ العام 2011 والى اليوم، خصوصاً عندما جرى تسريب معلومات عن قبول السعودية ببقاء الرئيس ​بشار الأسد​ في السطة كخيار واقعي. هذا الوضع الملتبس بدا فيما بعد كأنه إيحاءٌ مقصود للتأكيد على ما تشيعه إيران عن تحقيق انتصار في سوريا، وعن ذهاب الامور الى التسليم بالنفوذ الإيراني في سوريا، وهذا ما حرص السبهان على جزم نفيه مع مَن التقوه من شخصيات لبنانية.

ثانياً، في النتائج اللبنانية أكدت الاوساط الديبلوماسية وضوح السياسة السعودية في ما يتعلق بالوضع في سوريا ونتائجه على لبنان، وقد قيل كلامٌ سعودي واضح، عن استمرار المواجهة مع إيران على أكثر من ساحة عربية، خصوصاً في اليمن والعراق وسوريا، وعن عدم التسليم بسيطرة «حزب الله» على لبنان، وبالتالي وصل الكلام السعودي الى درجة الطلب من اللبنانيين عدم تأويل الموقف السعودي والتصرّف به على أنه الغطاء المناسب أو الشمّاعة التي تصلح لأن تعلَّق عليها كل نتائج تسوية انتخاب الرئيس ​ميشال عون​ وتشكيل حكومة لـ«حزب الله» في الأرجحية، والتراجع أمام الحزب بداعي أنّ موازين القوى الإقليمية، باتت تصبّ في خانة إيران ولغير مصلحة السعودية، التي ستشهد نقلاتٍ إضافية في سياستها الخارجية.

ثالثاً، تشير الاوساط الديبلوماسية الى حضٍّ سعودي للأطراف، خصوصاً المشارِكة في الحكومة، وبموازاة عدم الاختباء خلف موقف سعودي وهمي بالتراجع امام إيران، الى تحمّل مسؤولياتهم وخياراتهم التي اتّخذوها، لكي لا يحقق «حزب الله» مزيداً من النقاط في سعيه الى السيطرة على القرار اللبناني، ومن هنا أتى الدعم السعودي لمعركة الجيش في ​جرود القاع​، التي أثبتت فيها ​المؤسسة العسكرية​ استقلالية القرار، كذلك أثبتت أنها قادرة على عدم تحقيق رغبة إيران و»حزب الله» في تحجيم دور الجيش.

رابعاً، تؤكد الاوساط الديبلوماسية أنّ تعميم المناخ الانتصاري لـ»حزب الله»، يجب أن يتوقّف تحت أيّ ذريعة، ولا يجب أن يُستعمل للتبرير لخيارات سياسية لدى الفريق المشارِك في السلطة، وتشير الى أنّ السعي السعودي سيتركّز في المرحلة المقبلة على استعادة جهوزيّة سياسية لبنانية لمواكبة التطوّرات التي قد تطرأ في المنطقة، وهي تطوّرات لن تكون في مصلحة النفوذ الإيراني، هذه الجهوزية مطلوبة ليس على قاعدة إعادة القديم الى قدمه، بل وفق متطلّبات مرحلة جديدة، مفتوحة على كل الاحتمالات، منها ما يتعلّق بتعميق الاتصالات السعودية ـ الأميركية، التي ستتركز حول كل الملفات، وخصوصاً الملف السوري، من زاوية تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، الذي بدأ الروس القيام ببعض خطواته، على الحدود مع إسرائيل، والذي يستكمله الأميركيون بإقامة مناطق عازلة على الحدود الأردنية ـ السورية والأردنية ـ العراقية.

الخلاصة في زيارة السبهان حسب الاوساط، تظهير توازن مضاد للنفوذ الإيراني في لبنان، وتمتين الساحة الداخلية، ووضع جميع الاطراف في صورة موازين القوى الحالية، من دون مبالغة أو توقعات متفائلة، لكن من دون إسقاط أنّ الستارة لن تُسدل على انتصار إيراني، ولا على نتائج كارثية، سيعاني منها لبنان، وهذا يتطلّب تحمّل مسؤوليات، وعدم تضليل المشهد بستارة كثيفة من الغبار.