تصاعدت في الآونة الاخيرة الانباء والتحليلات و"التسريبات" بأن ​اسرائيل​ تفكر في توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية ال​ايران​ية. في الواقع، يبقى الكلام اسهل بكثير من الافعال، فتوجيه اي ضربة عسكرية اسرائيلية أو دولية لايران دونها عقبات تقارب المستحيل ان من الناحية العسكرية او السياسية.

فمن الناحية العسكرية، لا يمكن اعتبار ايران مثل غيرها من الدول التي تمر بصعوبات ويمكن قصفها بالجو او من البحر (كالعراق او ​سوريا​ مثلاً)، فوضعها اكثر تعقيداً ولو ان المسؤولين الاسرائيليين يصرخون عالياً بأن ايران باتت تهددهم بشكل جدي، وان قدراتها النووية تشكل مصدر قلق ليس فقط لدولة محددة انما لمنطقة بأكملها (الشرق الاوسط)، مع التذكير بشكل دائم بأن طهران تهدد دائماً بمسح اسرائيل من الوجود. واذا سلمنا جدلاً ان اسرائيل قررت ضرب ايران عسكرياً، فمجرد الوصول الى النقاط المحددة يبدو من المستحيلات، لانه على الرغم من الخلافات الظاهرة والكبيرة بين الدول العربية (الخليجية تحديداً) وايران، فلن تقبل اي منها في ان تكون ممراً للطائرات الاسرائيلية او محطة عابرة، فيما ترتبط تركيا بعلاقات جيدة مع طهران وبتنسيق عال يصلحان ان يشكلا ذريعة صلبة للقول بأن انقرة لن تتحالف مع اسرائيل على حساب ايران. ولا يمكن ان ننسى الخطر الكبير على ​الطائرات الاسرائيلية​ بفعل الدفاعات الجوية المتطورة التي يملكها الايرانيون من صنع روسي، والقادرة على اسقاط الطائرات المغيرة بنسبة عالية.

اضافة الى ذلك، فإن تعرض ايران لضربة عسكرية اسرائيلية من شأنه ان يثير رداً قاسياً جداً لن يكون مداه الجغرافي محصوراً، فلايران قدرات عسكرية لا يمكن الاستهانة بها، كما ان حضورها العسكري في الشرق الاوسط وعلى الحدود الاسرائيلية-السورية له ثقله ويمكن ان يشكل قلقاً بالغاً للاسرائيليين، اضافة باطبع الى ما يمكن ان يكون عليه رد فعل ​حزب الله​ والفصائل الفلسطينية المتحالفة مع ايران، وهو امر سيشعل بالتالي الشرق الاوسط، والاهم انه لن يضع اسرائيل في منأى عن الاذى العسكري، بل على العكس سيضعها في قلب العاصفة التي تحاول ان تتجنبها.

هذا على الصعيد العسكري، اما على الصعيد السياسي، فحدّث ولا حرج. لا يمكن اعتبار ايران بمثابة العراق او سوريا، فهي لا تعيش حرباً ولا تواجد دولي على اراضيها، كما انها لاعب ميداني بارز عى الساحة الشرق اوسطية واثبتت ذلك في العراق وسوريا. ونسجت طهران شبكة علاقات جيدة مع روسيا وتركيا والدول الاوروبية، فيما تبقى العلاقة مع واشنطن في مرحلة الجمود بعد التراجع الذي شهدته اثر انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. هذا الامر من شأنه ان يحبط اي موافقة دولية شرعية على توجيه ضربة لايران، ومن المؤكد ان يواجه اي مشروع (اذا وصل الى مجلس الامن)، بفيتو روسي وصيني سيعيد الامور الى نقطة الصفر، وسيحرج الدول الاوروبية التي فتحت صفحة جديدة مع ايران وليست في وارد التضحية بها.

سياسياً ايضاً، ستعيد اي خطوة عسكرية تحريك المياه الراكدة في الشرق الاوسط، وستشهد روسيا انهيار كل ما عملت له منذ اكثر من سنتين وحتى اليوم، كما انها ستنذر بعودة العنف الى سوريا والعراق الى ما كان عليه قبل اقرار بانهاء "داعش"، وستطيح بالاستقرار في لبنان دول الخليج، كما ان شظايا هذه التداعيات ستصيب اوروبا حتماً في وقت اكثر ما تحتاج اليه هو الاستقرار واعادة لملمة قراراتها وترتيب الوضع الداخلي.

باختصار، لن تجد اسرائيل اي منفذ للحصول على موافقة لتوجيه ضربة عسكرية لايران، والاهم يبقى في ان الاسرائيليين انفسهم غير جاهزين لمثل هذه الضربة، لذلك هم يفكرون مرات عديدة قبل الاقدام على اي خطوة لن تسمح لهم بالتراجع، ويكتفون بالصراخ والتهديد دون القدرة على التنفيذ، علّهم يكسبون بعضاً من الربح السياسي.