عروس مزهوة على شاطىء البحر الأبيض المتوسّط، مبتسمة دوما لمن ينظر اليها، كريمة، مضيافة، اذ لم يزرها أحد وتركها خائبا. هي ​مدينة صور​، الغنية عن التعريف والشاهدة على حقبات تاريخية تعود الى ما قبل الميلاد بنحو 3 الاف سنة، والتي تتربّع اليوم على عرش السياحة الداخلية في لبنان.

تبعد صور حوالي الـ85 كيلومترا عن العاصمة بيروت، ولكن هذه المسافة لم تمنع سكان لبنان من مختلف أطيافه ومن المنطق اللبنانيّة كافة من زيارتها بشكل دوري، الأمر الذي جعلها "تتألق" سياحيا. فما هي أسباب هذا الازدهار، وما الذي تتميّز به؟.

تعرّفت وداد جربوع على المدينة من خلال صديقتها إبنة صور، فوجدت فيها بحسب حديثها لـ"النشرة: "البساطة والطيبة"، مشيرة الى أن "المدينة البسيطة بناسها وجمال شوارعها ونظافة شاطئها، والبعيدة عن التزمّت دخلت الى قلبي". اما الزميلة بولا أسطيح فكانت لها تجربة مختلفة وهي التي كانت بعيدة عن بيئة صور واهلها: "لطالما كانت صور بالنسبة لي منطقة بعيدة لا اعرف عنها الا قلعتها، ولم تكن لدي الحشرية في يوم من الايام لزيارتها، ولكن في مطلع الصيف الحالي ومع بدء التداول بصور خلابة لشواطئها وشوارعها من قبل اصدقاء لي قررنا زيارتها، وهكذا كان"، مشيرة في حديث لـ"النشرة" الى أن "ما شدّنا هو سحر هذه المدينة ونظافة مياه بحرها الازرق وشاطئها الذي يشبه شواطىء دول اوروبا، كما ان شوارعها الداخلية الخلابة الضيقة والملونة تشبه هي الاخرى شوارع مدينة ميكونوس اليونانية، كما ان الفنادق الصغيرة المحببة والمطاعم التي تقدم اطيب انواع المأكولات ساهمت في تكرار زياراتنا لها وفي اعتمادها وجهة دائمة خلال عطلة الاسبوع".

​​​​​​​

يكتظ الشاطىء "العام" في صور يوميا، اذ انه البقعة البحرية شبه الوحيدة التي بقيت "للناس" لا لأصحاب المنتجعات السياحية، وفي هذا السياق يشير نائب رئيس ​بلدية صور​ ​صلاح صبراوي​ الى أن السبب الاول لازدهار المدينة هو "الأمن والأمان"، كاشفا في حديث لـ"النشرة"، أن أعداد الزوار الذين قدموا الى صور هذا العام كانت غير مسبوقة.

ويضيف صبراوي: "قامت البلدية ومعها لجنة مهرجانات صور بعدة مشاريع سياحية لاستقطاب الزوار، اضافة لتنظيم مهرجانات فنية رائعة بحضور مكتمل، كذلك تقوم البلدية كل مساء سبت بإقفال الكورنيش البحري أمام السيارات والسماح لأصحاب المطاعم بوضع طاولاتهم على الطريق، الأمر الذي يجعل من هذا الشارع مقصدا هاما، كاشفا أن عدد زوار هذا الشارع أيام السبت يصل الى حوالي 17 ألف زائر".

جذبت هذه النقطة تحديدا رولى ابراهيم التي تسكن قرب جونية، لأنها وجدت بصور متنفسا لها ولعائلتها، حسبما تقول في حديث لـ"النشرة". وتضيف: "إن صور ليست وجهة جديدة بالنسبة لي، تعرفت اليها تقريبا منذ نحو 6 سنوات، وبت اقصدها باستمرار لما فيها من مميزات نفتقدها في بيروت وباقي المناطق، فقد جذبني بداية هذا السحر الذي يعادل سحر المدن الاوروبية التي نخطط للسفر اليها باستمرار، أكان من ناحية الحارات القديمة التي لا زالت تحافظ على طابعها العفوي وبيوتها الصغيرة وسكانها الاصليين المتواضعين، أو شاطئها الذي نقصده بشكل شبه اسبوعي من بيروت لنظافته التي نفتقد اليها في بيروت وكل جبل لبنان، ولأن ​شاطىء صور​ لا زال حتى الساعة، بخلاف غالبية الشواطىء اللبنانية، شاطئا عاما مجانيا متاحا لكل الافراد ولكل الفئات، كاشفة أن "حبي لصور دفعنا هذا الصيف لاسستئجار منزل في احدى حاراتها لمدة شهر وكان ذلك بمثابة متنفسا لي ولعائلتي بعيدا عن تلوث المدينة والكتل الاسمنتيّة التي تغزوها يوما بعد آخر".

​​​​​​​

يحدّ الشاطىء مدينة صور من ثلاثة جهات، ويمتد الأساسي فيها على طول 3 كيلومتر يجعله من الشطوط الاجمل في العالم، خصوصا عندما يقترن بالعوامل الأخرى المساعدة لاستقطاب الزوار كاجراءات السلامة العامة والنظافة والمجانية. وهنا يقول صبراوي: "لدينا 17 موظفا يعملون كفريق إنقاذ برفقة فرق ​الصليب الأحمر اللبناني​ والدفاع المدني، ولدينا 49 "خيمة" تقدم المأكولات والمشروبات، مع العلم أن هذه الخيم تُزال في شهر تشرين الاول كي لا تؤثر على الشاطىء شتاءً".

ويكشف صبراوي أن "اعداد السيارات التي قصدت ​شاطئ صور​ منذ فترة غير بعيدة بلغت 3500 سيارة، وهذا الرقم غير مسبوق"، مشيرا الى أن حارات المدينة وشوارعها لا تقل أهمية عن البحر والشاطىء، وهذا ما دفعنا اليوم للبحث عن حلول لأزمة السير ومواقف السيارات"، مشددا على أن البلدية بصدد الانتهاء من هذه المشكلة قريبا جدا، وهي تعمل كذلك بالتعاون مع ​مجلس الانماء والاعمار​ على تنفيذ مشروع بنى تحتية للمقاهي المتواجدة على "شط الجمل".

إن مدينة صور بسحرها ورونقها تشكل وجهة سياحية اجمل وأرخص من كثير من الدول الأوروبية، فما الذي يمنع المدن اللبنانية الاخرى من "تقليد" صور؟.