أَثارَت مسألة "البكالوريا الدَّوليّة" (IB) جدلاً في الجلسة التَّشريعيَّة المسائيَّة ليل الثُّلاثاء، قُبيلَ أَنْ يُعلِن رئيس مجلس النوَّاب نبيه برِّي، الثَّامنة والنُّصف إِرجاء النقاشات إِلى الحادية عشرة قبل ظهر الأَربعاء.

وَتختزن "البكالوريا الدَّوليَّة" أَهمَّ الطَّرائق التَّربويَّةِ القائِمَةِ على حضِّ المتعلِّمين على: الإِبداع، تحمُّل المسؤوليَّة، حلِّ المعضلات–Problem Solving، البَحث عن الحقيقة، تنمية ذكاءاتهم المختلفة وصناعة السَّلام... وهَذا ما نحتاجُ إِليه في مجتمعنا ال​لبنان​يِّ، لِبِناءِ جيل الغَد الطَّموح وَالسَّاعي إِلى التَّغيير.

وَبالعودة إلى الجَلسةِ النِّيابيَّة، فقد أَشارَ برِّي إِلى أَنَّ "النَّائب بهيَّة الحريري تمنَّت عليه "تَأْجيل إِقرار اقتراح القانون الرَّامي إِلى معادلة شهادة البكالوريا الدَّولية بالبكالوريا اللبنانيَّة للمُتعلِّمين اللبنانيِّين"، غير أَنَّ النَّائِب فؤاد السَّنيورة طلب "السَّير بِالاقتراح"، فنوقشَ.

غير أَنَّ النِّقاش لم يفِ الموضوع حقَّه، لِكَون بعض السَّادة النوَّاب لم يتعمَّق في الموضوع، أَو أَنَّهم عالجوه بخلفيَّة غير تربويَّة، كيلا نقول شيئًا آخر.

لِذا لا بُدَّ من "تفنيد" النِّقاط الَّتي شكَّلت ممانعةً نيابيَّةً لإِقرار المشروع، بِحسبِ تَرتيب المُتَكلِّمين في الجَلسة.

1-للنَّائب نوَّاف الموسوي "ملاحظات لأَنَّ المِنهاج يجبُ أَن يتضمَّن اللُّغة العربيَّة وَالتَّربية الوطنيَّة وَالتَّاريخ، وَإِنَّ شهادة البكالوريا الدَّوليَّة يجب أَنْ تتضمَّن ذلك".

- غير أَنَّ نظام "البكالوريا الدّوليَّة" يُعلِّمُ اللُّغة العربيَّة، وَإِنْ لَجَأ إِلى التَّبسيطِ وَالتَّوليف بين اللُّغة وَمُتطلِّبات سوق العمل، أَو أَنَّه درَّسها بِالتَّوازي مَع مهاراتٍ تفكيريَّةٍ-تحليليَّةٍ وصولاً إِلى اعتمادِ المُقارنات (الأَدب المُقارَن).

وَبِالتَّالي: لِماذا يُطلب من "البكالوريا الدَّوليَّة" أَنْ تُؤمِّن لَنا، ما لم تُوفِّره لَنا المَنهجيَّاتُ الحديثةُ (ما زِلنا نُطلق عَليها هذه الصِّفة على رُغم أَنَّها دخلت مرحلة التَّرهُّل)، وَالَّتي أَهملَت قواعد اللُّغة في العملِ التَّعلُّميِّ؟

-وَأَمَّا في شأن مادَّة التَّاريخ: أَفَليس من الأَفضل التَّوافق أَوَّلاً على كِتابِ تاريخٍ مُوحَّدٍ، قبل فرضِه فرضًا مَناطِقِيًّا عَلى المُتَعلِّمين؟.

-وَفي مادَّة "التَّربية المدنيَّة" الّتي دَرَّستُها في بدايةِ رِسالتي التَّربويَّة، بِداية تِسعينيَّات القرن الماضي، إِلى أَن وَجدْتُني شاهدَ زورٍ، يُعلِّمُ كُلَّ ما لا يراهُ المُتعلِّمونَ في مُحيطِهم... أَفَليس من الأَفضل عَليْنا أَنْ نَغْرس فِي أَذهان النَّشْءِ الطَّالِعِ "ثَقافة السَّلام" وَ"روحَ المَسؤوليَّة"، وَهُما من أَعْمدة "البكالوريا الدَّوليَّة"، بَدلاً مِن أَنْ تكونَ حجَّتُهم في الواقعِ، أَقوى من حجَّتِنا في النَّظريَّات وَالتَّنظير؟.

-أَلا يَحقُّ لِلمُتعلِّم بالتَّالي أَنْ يَختارَ بِملءِ إرادَتِهِ، ما يرغَب فِي أَنْ يَتَعَلَّمَهُ؟، فيُقبل عَلَيه جَهْرًا، بَدلاً مِن تَعَلُّمِه مُتحدِّيًا المُعادَلات، إِلى أَنْ يُبرِزَ شهادة "البكالوريا الدَّوليَّة" فَتلقى تَرحيبًا فِي كُبرَيات الجامعاتِ العالميَّة، فيما نَحْنُ نَستخفُّ بها في لبنان!.

2-أَشار النَّائب ​حسن فضل الله​ إِلى أَنْ "إِذا جرى تعارضٌ بين لجنَتين يَذهب الاقتراح إِلى اللّجان المُشترَكة"، مُحذِّرًا من "خُطورةٍ في المَساس بِالبكالوريا اللّبنانيَّة من خلال التَّهرُّب من الامتحاناتِ الرَّسميَّة، وَغِياب المُساواة بين اللُّبنانيِّين"، وَقال: "إِنَّ البَكالوريا وَمجلسَ الخدمةِ المدنيَّة لا يَخْضَعان لِلواسِطةِ، فَالنَّاجِحون في مجلسِ الخِدمة المَدنيَّة لا يُعيَّنون في الوظيفةِ، وَنَخشى أَنْ يتمَّ ضربُ البَكالوريا، مِن خِلال اللُّجوء إِلى البَكالوريا الدَّوليَّة الَّتي تُجريها مُنظَّماتٌ".

-فَلَو كانَت "البَكالوريا اللُّبنانيَّة" في كاملِ صِباها وَرونَقها وَكمالِها، لَما تخوَّفنا على مصيرِها. وَيا لَيْت فَرضَها فرضًا يحلُّ مشاكلَها المُزمِنة...

-وَالخِدمات التَّربويَّة تَفرض نَفْسها، كَما أَنَّ الشَّهادات المَرموقة تَفرض نَفْسها.

-وَمِن ثمَّ فَقد يَكون مِن المُفيد اعتماد التَّنوُّع العلميِّ - الثَّقافيّ، وَحُريَّة التَّعلُّم. وَبالتَّالي فلا أَحد يَستهدفُ البَكالوريا اللُّبنانيَّة، أَو يَستخفُّ بها، وهَذا الأَمرُ غيرُ مطروحٍ البتَّة... وَإِنَّما ثمَّة ملاحظاتٌ على المَنهجيَّات اللُّبنانيَّة، وَحاجةٌ إِلى تطويرِها، وهذا لا يُخفى على أَحدٍ...

-وَأَمّا الحَديثُ عن "عدمِ مساواةٍ بين اللُّبنانيِّين"، فَيَنْتفي إِذا تَحدَّثنا عن "حُريَّة اختيار المُتعلِّم" الشَّهادة الَّتي يَطمحُ بِأَنْ "يُكلّلَ دراستَه بِالحصول عليها". وبالتّالي هل المساواةُ تِلك، تجعل المتعلّم أَسيرَ طرائقَ تعلُّميَّةٍ لا تَفيه حاجته إِلى العِلم بِطرائقَ وَنظريَّاتٍ وَمَنهجيّاتٍ حديثةٍ؟

-وَإِذا كانَت البَكالوريا اللبنانيَّة لا يُمكن الحُصول عَليها بِالواسطةِ على حَدِّ قول النَّائب فضل الله، فَلِماذا الإِيحاء وَكأَنَّ البَكالوريا الدَّوليَّة يمكن الحصول عليْها بِالواسطة؟

-إِنَّ الشُّروط وَالواجبات وَالخدمة التَّربويَّة الَّتي تَفْرِضها البَكالوريا الدَّوليَّة، على المدارسِ المنْضَوية تحت لِوائها، كثيرةُ الدِّقَّة وَالشُّروط، وَهي صارمة، وَرقابة النِّظام التَّعليميِّ علَيها دَقيقةٌ، وُكلُّ ذلك يَصبُّ في مَصلحةِ المُتَعلِّمِ.

3-قال النَّائب محمَّد حجَّار: "إِنَّ الشَّهادة الَّتي تُعطيها المُنظَّماتُ الدَّوليَّة مُعترَف بِها في 120 دولة".

- وَفي هذه الحَقيقةِ نافذةٌ لِلإطلالةِ على الثّقافةِ العالميَّة مع مُراعاة خصائصِ التَّركيبةِ التَّربويَّة اللبنانيَّة...

4-النَّائب أَكرم شهيِّب لفت إِلى أَنَّ "القاعدة في العالم مبنيَّةٌ على احترامِ الشَّهادة اللّبنانيَّة، وَثمَّة خِشية من ضَربِها كَما ضَربنا الجامعةَ اللّبنانيَّة من خلالِ الجامعاتِ الَّتي فُرِضَت، وَمُعظمها "دَكاكين" على حسابِ الجامعةِ اللّبنانيَّةِ، وَأَنْ تُعتمَد البَكالوريا الدَّوليَّة على حِساب البَكالوريا اللّبنانيَّة".

-قَد يَكون مِن غير الصَّحيح التَّركيز دائمًا على "نَظَريَّة المُؤامرة": مؤامرة الجامعات الخاصَّة على اللُّبنانيَّة، وَمؤامرة البَكالوريا الدَّوليَّة على اللّبنانيَّة... كما وَقد يَكون من الإِجحاف التَّنكُّر لِدور الجامعاتِ الخاصَّة، مَع عدم التَّقليل مِن أَهميَّةِ الجامعة الوطنيَّة...

5-قال النَّائب فؤاد السَّنيورة: "نحن نَعترف بِالبكالوريا الفَرنسيَّة، وَالعالم يُقبل على كُلِّ جديدٍ، وَيجب إِعطاءُ فرصةٍ لِهذا المشروع".

-وَاللافت في كَلام السَّنيورة تشديدُه على أَنَّ العالم يُقبل على الجديد، وَما دامَ هذا العالمُ قد سَبَقنا بِأَشواطٍ فِي العِلم وَالثَّقافة، فَلِماذا لا نَستفيدُ من ثِمار مَدارِكِهِ؟

6-طلب رئيس المجلس سماع رأي وزير التَّربية وَالتَّعليم العالي ​مروان حمادة​، الَّذي قال: "كُنت مُتحفِّظًا لِلغاية على المشروع عِندما طُرح. وَأَتَحفَّظ عن أنْ يُدرس في المدرسةِ الرَّسميَّةِ، لأَنَّها لا تَقبل بِبرامجَ مُستوْرَدَةٍ، وَهذا بِالنِّسبة إِليَّ غيرُ مقبولٍ. أَمَّا المدارس الخاصَّة فَهذا شَأْنٌ آخر. إِن البَكالوريا الرَّسميَّة موضع تقدير، وَكذلك الجامعة اللبنانيَّة على رُغم وجودِ كلِّ الجامعات الخاصَّة، ما زالت موضع تقديرٍ في الكثيرِ من كليَّاتها".

-وَلعلَّ في النِّقاط الواردةِ أَعلاه، ما يُبدِّد تَحفُّظات الوزير حمادة...

7- بِدورِه، عبَّر النَّائب علي فيَّاض عَن خِشيته مِن هذا الأَمر الَّذي "قد يَفتحُ البابَ على أُمورٍ لَيْست واضحةً"، منتقدًا "طرح اعتماد البَكالوريا الدَّوليَّة في المدرسة الرَّسميَّة، من ​لجنة الإدارة والعدل​"، معتبرًا إيَّاها "خطيئة"، وقيل له: "إِنَّ مَن طرح هذا الأَمر هو زَميلك في الكُتلة نَوَّاف المُوسويّ".

-وَهُنا بدا التَّباين الحادّ أَكثَرَ وضُوحًا، في المواقف إِزاء هذا الاقتراح.

8-سأَل النَّائب بطرس حرب: "إِذا كان الأَمر غير مقبول في المدرسة الرَّسميَّة، فكيف يكون ذلك في المدرسة الخاصَّة؟. وقال: "لا موجب لذلك، وَإِذا كانَت البَكالوريا الرَّسمية غير كافية فلنغيِّرها. وَأَنا أرفض هذا الاقتِراح".

-سُجِّل في هذا الإِطار أَنَّ النَّائب حرب هو الوحيد الَّذي رفضَ المَشروع غَير مستندٍ إِلى تبريرٍ... فيما كان يُؤمل منه موقفٌ أَكثر إِقناعًا لِكونه وزيرًا سابقًا للتَّربيةِ، وَبِالتّالي كان من الأَفضل لو أَظهر إِلمامًا أكبرَ في الموضوع.

9-عادَ النَّائب نوَّاف الموسوي وَاعتبرَ أَنَّ "من شروط المُوافقة على المشروع، أَنْ يَكون مَقبولاً في المدارس الرَّسميَّة، وَإِذا كان سيُقبل في المدرسة الخاصَّة فَمِن باب تَكافؤ الفُرص"، وقال: "الآن، أَنا ضدُّ المشروع". وَأَمَّا النَّائب أنطوان زهرا، فقال: "إِنَّ البكالوريا الدَّوليَّة تسهِّل ظروف الأَهالي الَّذين يُضطرون لِلإقامة خارج لبنان. وَأَمَّا اعتمادُها في المدرسة الرَّسميَّة فَسَيخلق المشاكلَ لِجهة تَأمين الكادر التَّعليميِّ المَطلوب".

-وَتجدرُ الإِشارة في هذا المجال إِلى أَنَّ تدريب المُعلّمين لينخرِطوا في البَكالوريا الدَّوليَّة يُجرى خلال فترةٍ زَمنيّةٍ لا تَتجاوزُ الأَسابيعَ الخمسة، وَمِن خلال المُراسلةِ وَالتَّواصل الإِلكترونيِّ، كما وَيُمكن المُتدرِّب أَنْ يَعود وَيُدرِّبَ زُملاء له في المادَّة نفسِها، وَيُضْحي مُنسِّقًا في مَدرستِهِ.

10-أَيَّد النَّائب غسَّان مخيبر المشروع، داعيًا إِلى "اعتماده"، مشيرًا إِلى "وجود مدارس في لبنان تَعتمده". وَعاد وَزير التَّربية فَلفت إِلى أَنْ "ثمَّةَ 13 مدرسة في لبنان تعتمدُ تدريس البَكالوريا الدَّوليَّة"، مطالبًا بـِ "وضعِ مراسيمَ تَصدر عن ​مجلس الوزراء​ لِتطبيقِ القانون"، وَقال: "طالما أَنَّ (البريفيه) شرطٌ ضروريٌّ فإِنَّ التِّلميذ سيَبقى على المِنهاج اللُّبنانيِّ حتَّى المرحلة الثّانويَّة".

وَأَمام تباين الطُّروح في شَأْنِ مواد الاقتراح وَترتيبها، قال بِرِّي: "رَتِّبوا الاقتراح حتَّى غدٍ، وَسأنتقلُ إلى اقتراحٍ آخر".

وهكذا نَحَر النوّابُ "البَكالوريا الدَّوليَّة"!

إعلامي وتربوي