ما قاله ​دونالد ترامب​ قد قاله ولا داعي لتجميل كلامه ولا داعي لتصديق مزيد من الاكاذيب. في السابق كان الاميركي يرهب الجميع بلغة القوة ويهدد ولكنه كان يكتم حقيقة ما يضمره. اللافت في عهد الكاوبوي ترامب انه يفضح ما يفكر فيه ويعلنه ولا يتكتم عليه كما كان يجري في السابق. منذ ايام قال ترامب وفي كلمة له امام ​الامم المتحدة​ امرين اساسيين: الاول التصعيد ضد ايران و​الاتفاق النووي​ معها اي ان التسوية باتت ناضجة في المنطقة ويريد الضغط على ايران كي ينتزع منها تنازلات في سورية و​العراق​.

والثاني: قوله انه يجب توطين اللاجئين في اماكن لجوئهم القريبة من بلادهم واعاد تجميله امس بموقف انه قصد اعانتهم في اماكن لجوئهم الى حين عودتهم الى سورية بمعنى اوضح انه قصد في موقفه الاول في الامم المتحدة النازحين السوريين ولم يقصد ال​فلسطين​يين.

ولا يمكن اخذ كلام ترامب وتوضيحه في ما بعد على انه "زلة لسان" او مزحة يفترض المرور عليها مرور الكرام، اذ تتردد معطيات في الكواليس السياسية والدبلوماسية في ​لبنان​ ومصدرها اكثر من مرجعية لبنانية وسفراء عرب واجانب ان هناك "طبخة" دولية تتحضر لانهاء الصراعات في المنطقة وفق اتفاق اميركي- روسي ويحيط بجوانب منه السعودي والايراني، بالاضافة الى اطراف اخرى وفي مقدمتهم العدو الاسرائيلي. وتفيد هذه المعطيات ان التسوية التي ستكون في سورية لا بد ان تشمل فلسطين، اذ تنص على ضرورة حل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي واقامة دولة فلسطينية وفق حدود العام 1967 مع اسقاط ​حق العودة​ وتوطين ​اللاجئين الفلسطينيين​ في الدول المجاورة لفلسطين اي في العراق و​الاردن​ وسورية ولبنان. كما يفرض توطين كل نازح سوري لا يريد "العودة الطوعية" الى بلاده في هذه الدول مع اعطاء حوافز اقتصادية ومالية لهذه الدول.

وتقول هذه المعطيات ان بقاء الرئيس ​بشار الاسد​ في السلطة وإطلاق يد ​الجيش السوري​ وبمعاونة ​حزب الله​ وحرية "تحرك" ​روسيا​ وايران ما كانت لتتم لولا هذه التسوية وان ​اميركا​ شريكة فيها بالاضافة الى اطراف اخرى.

ما يعني ان كل الاطراف في هذه التسوية ستستجيب للشروط الاميركية.

ونزعة التقسيم الاميركية في بلدان المنطقة تظهر للعيان من خلال توقيت اعلان الكرد في العراق نيتهم في الاستقلال ب​إقليم كردستان​ عن حكومة ​بغداد​ المركزية فلولا التغطية الاميركية والاسرائيلية لهذا القرار الكردي ما كان ليتم في هذا التوقيت. ويعني استفتاء الكرد على الانفصال واذا ما اتخذوا قراراً رغماً عن ارادة حكومة بغداد، فتح شهية الاكراد في سورية وايران وتركيا ان يحذوا حذو اقرانهم في كردستان العراق.

الكلام الترامبي الاخير كان له تأثيرات على الساحة اللبنانية فبالامس رد رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ وعبر منبر الامم المتحدة على كلام ترامب ورفض ​التوطين​ وأكد ضرورة عودة النازحين السوريين الى بلادهم متى تسنت الظروف لذلك وكذلك عودة اللاجئين الفلسطينيين الى بلدهم فلبنان لا يحتمل مغامرة توطين ولا فرض معادلة شبيهة.

وكي لا يكون لبنان ضحية مرة جديدة لاية تسوية تجري في المنطقة وكي لا يدفع ثمنها من دماء ابنائه ومن استقراره، وجب تذكير من يرفض تصديق ترامب من حلفائه اللبنانيين انهم هؤلاء الذين يؤكدون ان التوطين مجرد فزاعة انهم هم منذ العام 1975 وحتى العام 1989 حاربوا الفلسطيني والسوري ودمروا البلد واوقعوا 300 الف قتيل وجريح ومعوق وما زلنا ننزف حتى الآن.

لذلك وبعد موقف عون والرئيسين ​نبيه بري​ و​سعد الحريري​ يفترض القيام بخطوة رسمية لبنانية واجرائية ضد الموقف الاميركي وليس فقط طلب توضيحات وشرح من ​السفارة الاميركية​ و​الخارجية الاميركية​ بل الوقوف صفاً واحداً في وجه هذا المشروع والتصدي للتوطين ولو كان القرار الاميركي اتخذ ويريدون تنفيذه بالقوة وفرضه علينا فرضاً فوجب ان نقول لهم ان ​سلاح المقاومة​ ضمانة لمنع اي مشاريع غريبة وان اتفاق 17 ايار واسرلة وامركة لبنان سقطا منذ العام 1984 وصارت مثل هذه المشاريع والرغبات والاماني وراءنا.