في كل مرة يطل فيها الامين العام ل​حزب الله​ السيد ​حسن نصر الله​، يترقب الناس ما سيقوله، وفي اطلالته الاخيرة، لم يكن الوضع مختلفاً، اذ ترقب الكثيرون ما سيصدر عنه على الصعيدين الداخلي والاقليمي. الا ان الكلام لم يأت وفق ما توقع البعض، اذ غابت الساحة الداخلية عن الموضوع، وحضرت الساحة الاقليمية بقوة.

هذا الامر دفع ببعض المحللين والمتابعين، الى تقديم رؤية لهذا الواقع في المجالس الخاصة، تقوم على ان نصر الله بعث برسائل الى الداخل والمنطقة على حد سواء، رغم انه لم يتطرق الى الحديث عن الوضع الداخلي. ويشرح هؤلاء ان تغييب الشأن الداخلي عن الكلمة هو موقف بحد ذاته، لانه يعني امرين: اما ان حزب الله يرغب في تجنب الدخول في معارك حسّاسة من شأنها ان تزيد الوضع الداخلي تأزماً، او انه في مرحلة وساطة (قد يكون احد القائمين بها، او احد اطرافها) وهو غير متحمس بالتالي لتعريض هذه الوساطة لأي ازمة او هزّة من شأنها ان تقضي عليها.

في الحالتين، فإن الموقف غير المعلن الذي قدّمه نصر الله عبر اسقاطه الوضع الداخلي من كلمته، انما يعني الحرص على عدم التصعيد، وبالتالي ابقاء فترة الهدوء على حالها، وعدم مواجهة تصعيد البعض بنبرة مماثلة، ما يعني عملياً ان الستاتيكو الحكومي والتنسيق في الامور السياسية بشكل عام لن يتغيّرا، وهو مؤشر الى ان الكلام الذي صدر عن امكان انفراط عقد الحكومة بسبب الضجة التي اثيرت حول التنسيق والحديث مع سوريا لن يفسد التعاون السياسي الذي ساد في الفترة الاخيرة، اي منذ حوالى السنة وحتى اليوم.

اما الرسالة الثانية الداخلية والتي لم يعلن عنها، فمفادها ان اي توتير في العلاقات بين السنّة والشيعة لن يجد رعاية من ابناء ​الطائفة الشيعية​، وان الفتنة تضرّ بالطائفتين معاً وتضرب مصلحتهما ولا فائدة منها ان على المدى القصير او على المدى الطويل، كما ان اي توتير او خلاف في الوقت الراهن سيخفف من حضورهما على الساحتين الداخلية والاقليمية ويضع قدرتهما على المفاوضة والحصول على المطالب، في وضع خطر.

ووفق المحللين والمتابعين انفسهم، فإن عدم تهجم نصر الله على السعودية يصب ايضاً في هذا الخصوص، ويوحي بأن هناك فرصة ما اعطيت من اجل عدم اعلان وفاة اي فرصة للتقارب السعودي-الايراني، وبالتالي ابقاء فرص النجاة قائمة ولو بنسب خفيفة.

اما على الصعيد الاقليمي، فالمسألة مغايرة، اذ كان نصر الله واضحاً وصريحاً حول ان زمن الحروب بين الدول قد ولّى، وان المرحلة الجديدة باتت صراعاً مع منظمات ومجموعات داخلية تعمل بقدرات خارجية، وبالتالي، لا يمكن ل​اسرائيل​ ان تشن حربا ًعلى لبنان او اي بلد آخر، بالمفهوم العام للحرب، وانها قد تستعيض عن ذلك بحروب صغيرة داخلية تعمد الى تنفيذها عبر مجموعات، وهي اكثر ايذاء من الحروب النظامية.

واوضح الامين العام لحزب الله بشكل صريح ان قرار الحرب لم يعد في يد اسرائيل، وانه في حال خالفت هذا الواقع او حاولت الالتفاف عليه، فستتعرض لعواقب وخيمة ليس على الصعيد الميداني فقط، بل على الصعيد الدبلوماسي ايضاً، وان هدف التقسيم قد يكون مفيداً لها في المدى القصير، لكنه في المدى الطويل سيكون وباء عليها وعلى غيرها من دول المنطقة، ذاكراً السعودية بالاسم لتكون بمثابة تحذير بأن ​الخليج​ كله سيكون على حافة الانهيار اذا ما اطل التقسيم برأسه في اي دولة من دول المنطقة، وهي دعوة مبطنة كي لا يعطي احد الامل بأن اقليم ​كردستان​ سيصبح دولة على الحدود العراقية، فالامر اخطر بكثير من مجرد استفتاء بالنسبة الى العديد من الدول وفي مقدمها العراق وايران.