قُرب منزلي جامعةٌ تهتمُّ بصناعة الإنسان. حدثَ أن طُلاّب هذه الجامعة قاموا بعمل تطبيقيّ فنيّ مُستبدلين وجه ​السيد المسيح​ ووجه ​السيدة العذراء​ ووجوه والقديسين بوجوههم، فوقعت المصيبة الشنعاء على الجامعة بإدارتها وأساتذتها وطلاّبها، فغرّد مَن غرّد وعلّق مَن علّق ونشرَ مَن نشر، واستبسل مَن استبسل، حقداً وتهويلاً وتهديداً ووعيداً!.

العملُ بحدِّ ذاتِه باستثناء بعضه المرفوض جملةً وتفصيلاً، جميلٌ من حيث معناه اللاهوتي؛ فوجهي أنا المؤمن ب​يسوع المسيح​، هو وجه يسوع ابن الإنسان بالذات، وهو وجه بولس الإنسان وبطرس الإنسان المؤمنَين، ووجه كلّ إنسان قديسٍ تقدّس في الحقّ. والأيقونة هي صورة الإنسان الذي تقدّس وتمجّد بالحقّ. وبِما أنّي أؤمن بالحقّ، ففي الأيقونة أرى وجهي أنا، كما والأنا المُطَعَّمة بالأصل الإلهي الذي تنهل منه لتُحقِّقَ ألوهتها بحسب الوعد الإلهي لها منذ إنشاء العالم. فما الضير إن وضعتُ وجهي أنا؟!.

على كُلِّ حال، لَن أدخُلَ في جدالٍ عقيم أعرف مُسبقاً أنه سيجعلني هدفاً للمُتطرّفين من أبناء وبناتِ مِلّتي، ما لا قُدرة لي على مُجاراته بسبب إيماني بالجمال الإلهي، وبالإنسان المؤَلّه. كما وأنني لن أنساق إلى طرحٍ أُصوليّ يُشبه هذا الزمن الحاضر، ولكنني سأسمح لنفسي بأن أقول، بمعرفتي بإدارة الجامعة وأساتذتها، أنَّ هذا العمل لم يكن المقصود به الإساءة لا من قريبٍ ولا من بعيد، لرمزية الأيقونة وقُدسيتها، ولكن الواقعة وقعت عندما سرَقَ الأعمال سارِقٌ بعدسته السيئة الغاية والنيّة، وأخرجه من إطاره البسيط، والمحصور في زمان ومكانٍ مُعيّنين، إلى العلن، فقامت الدنيا ولم تقعد!.

هَبَّ رجالُ الدين الغيارى على المُقدّس والقابضون على المفاتيح السماوية فاحتجّوا، فاعتذرت الجامعة أيّ اعتذار، إلاّ أن الموضوع كان يفترض شيئاً من الإعلام قطعاً لدابر المؤامرة والمتآمرين على المقدّسات، والذين قد تُسَوّل لهم نفوسهم بالمسّ بالأعراض المقدّسة مرّة أُخرى، فوزّع الخبر ووُزّعت معه أسماء أبطال الدين المُحتجّين، فكان النصر الإلهي!.

هبَّ الخوري الكامل بعد ذلِك، فخاطب الشعب باسم الغيرة على الدّين والمتديّنين، فدّكَّ حصون الجامعة وشيطنها وزندقها وكَفَّرها وجرَّمها، وجزمَ أنّها تغرّ بطلابها، فطارت كتاباته الفارغة من آداب المحبّة الإنجيلية طير الطيور الإلكترونية، لتُهَيِّج الشعب "المؤمن"، الغيور على الطقوس المقدّسة وأدواتها.

وهبَّت المواقع الإلكترونية المتحدّثة باسم "الحقيقة"، ووسائل التواصل الإجتماعي الباحثة عن تصنيف ranking لتدافع عن الدين، فأوقدت فتيل الغيرة العمياء، وسبّت وشتمت ولعنت بمفرداتٍ "دينيّة"، وسبّ الناس معها وشتموا ولعنوا بمفرداتٍ دنيوية.

جميعهم جزموا أنَّ في الأمر سوء نيةّ وانقضاضٌ على المقدّسات، ومن نحن لنعرف أكثر منهم! فهبّوا كلّهم بصوتٍ واحدٍ، وإن لم يكونوا مُوَحّدين، صارخين بوجه العدوة اللدود: "يا غيرة الدّين... يا غيرة الدّين... الموت للجامعة... الموت لإدارتها الشيطانيّة"، فانهال السباب، وانهالت الشتائم والقدح والذّمّ والتهديد والوعيد... وانتصر الإيمان المُستقيم والحمد للعليِّ العليم... هللويا، هللويا، هللويا.

اعتذرت إدارة الجامعة مرّةً أولى، هي التي لم تقصد إهانةً ولا تدنيساً، كونها تؤمن بالله والإنسان، فلَم يكفِ الإعتذار! تعهدّت الجامعة بألاّ تسمح بفعل مُشابه تحت سقفها، ولكن ذلك أيضاً لَم يأتِ بنتيجة! وكيف ذلك و"الكتبة" حاملوا الصكوك المقدّسة وموزّعو التوبة، قد شعروا، هُم وشعبهم "المؤمن"، بالمهانة! لِذا، على الجامعة بِعَدّها وعديدها، أن تُطمئنَ "الكتبة" فتسجُد سجوداً حقيقيّاً، لا مُزيّفاً لله؛ فالكافرة هذه التي تقود حرباً ضروساً ضدّ الأيقونات، لَن تقوى على أن تدمّر ما لم تستطع حرباً دامت 120 سنة على فعله!.

مهلاً، مهلاً يا سادة، أنتكلّم عن جامعة تُعنى بالإنسان أم عن حرب تقودها الجامعة على الأيقونات! بالله عليكم ترأفوا بعقول العاقلين! فالضرر الذي ألحقتموه بالجامعة وطلابها وصيتها قد بلغ حدّاً كبيراً أقل ما يُقال فيه أنّه غريبٌ عن إنجيلي الذي أؤمن به.

هل أساء هذا العمل إلى الألوهة؟ لا أعتقد.

هل أساءت ردود الفعل على هذا العمل إلى الإنسان؟ أعتقد ذلِك.

هل أتت ردود الفعل على هذا العمل، بمسيحيين إلى الإيمان؟ لا أعتقد.

هل أبعدت ردود الفعل مؤمنين عن الإيمان؟ أعتقد ذلِك.

فما بين الإساءة إلى الأيقونة والإساءة إلى الإنسان، يأخُّذ الربّ دائماً جانب الإنسان: السبت للإنسان وليس الإنسان للسبت(مر227). نعم، فالله لا تهمّه قضيّة الأيقونات، بقدر ما تهمّه قضيّة الإنسان، لأنّ الله ما قدّم ابنه إلى الموت من أجل أيقونة، بل من أجل الإنسان، صورته ومثاله، فتَعَقَّلوا.