ليس الجدار الحدودي الذي تحدث عنه رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ بالامس، والذي تزمع ​اسرائيل​ انشاءه على طول الحدود مع ​لبنان​، الاول من نوعه. ففي العام 2012، بنت اسرائيل جداراً على الحدود مع ​كفركلا​ بطول كيلومتر وبارتفاع ستة امتار، استعاضت فيه عن ​الشريط الشائك​ وبررت اقامته في حينه، على انه لحماية الاسرائيليين من نيران القناصين والصواريخ...

اليوم، تعود قصة ابريق الزيت من جديد، ويتحضر لبنان ليستقبل على حدوده جداراً اسرائيلياً آخر اطول من الاول، واكثر ارتفاعاً، انما لاسباب مختلفة. اليوم، تتناقل وسائل الاعلام الاسرائيلية ومن خلفها العالمية، تبريراً جديداً مفاده ان الجدار هو لحماية الاسرائيليين من اي عملية تسلل لافراد من "​حزب الله​" في اي حرب جديدة قد تندلع... للاسباب المعروفة، لا تهتم اسرائيل كثيراً برأي لبنان في هذا السياق، وهي ستشرع في بناء الجدار وسينضم الى سابقه، وسيقف عناصر ​الامم المتحدة​ كالعادة ويشاهدون عن قرب مسار الاشغال و"الجهد الاسرائيلي" لبنائه في اسرع وقت ممكن، وسيكون لبنان في موقع "الجلاّد" و"الارهابي" اذا حاول القيام بأي ردة فعل لمنع استكمال ​البناء​...

سيعمد لبنان دون شك الى القيام بحملة دبلوماسية لوقف هذا المشروع، ولكن "الفيتو" الذي استخدمته ​واشنطن​ في ​مجلس الامن​ ضد قرار التصويت على اسقاط الاعتراف الاميركي ب​القدس​، دليل على ما ستؤول اليه الامور في هذا الخصوص، ولن تنفع الحجج والبراهين على خرق ​القرار 1701​ بكل الاشكال. ولكن، هناك وجهة نظر اخرى يعبّر عنها متابعون للتطورات الاقليمية، ولو ان الكثيرين يعتبرون انها بعيدة عن التنفيذ.

يقول المتابعون ان هذه الخطوة هي الثانية ضمن سلسلة قرارات وخطوات سيتم ​الاعلان​ عنها تباعاً، من اجل اظهار صورة ​الشرق الاوسط الجديد​ الذي لطالما تم الحديث عنه منذ العام 2006 وحتى اليوم. ويعتبر هؤلاء المتابعون انفسهم ان الخطوة الاولى هي اعلان ​الولايات المتحدة​ اعترافها بالقدس عاصمة لاسرائيل، مع كل ما خلقه هذا الاعتراف من بلبلة ومواقف حرّكت الركود الذي كان يسود عملية السلام، وانه تم التمهيد لهذا القرار عبر التغيير الجذري الذي شهدته دول منطق الشرق الاوسط على الصعد كافة. ويكملون ان الخطوة الثانية اساسية ايضاً لان استكمالها سيعني الاستمرار في الصورة الجديدة المعدّة للمنطقة ومنها لبنان بطبيعة الحال، حيث تقوم دول عربية بالتطبيع مع اسرائيل، فيما تحل المشاكل مع لبنان دبلوماسياً بغطاء اقليمي-دولي فتصبح الحدود مع اسرائيل آمنة بالنسبة الى المستوطنين من اي محاولات للتسلل، ليس لاحتلال مستوطنات كما هو حال القلق الذي يسود داخل اسرائيل حالياً، انما لمنع بعض المتحمّسين من اجتياز الحدود لاثارة المشاكل، فيتحول الجدار عندها الى واقع مماثل تقريباً لذاك الذي ينتصب حالياً على الحدود مع مصر.

ويراهن المتابعون على ان الحل الذي سيتم التوصل اليه في ​سوريا​، سيرسي في لبنان واقعاً جديداً تجاه اسرائيل يعزز فترة الهدوء السائدة على الحدود منذ العام 2006، ويخفف حدة المواجهات والتهديدات والتصعيد على حساب افساح المجال امام المفاوضات غير المباشرة. ودعا المتابعون الى مراقبة حركة الاتصالات الاميركية-الروسية في هذا السياق وتبيان ما يتم الاتفاق عليه، والخطوات العملية التي يتم اتخاذها والتي تأخذ في الحسبان الدور الايراني، مشددين على انه في حال بقيت الامور تسير على هذا المنحى، فإن الخطوات الباقية ستتم قريباً، وهي قد تتسارع فور التوصل الى حل نهائي للازمة السورية بطريقة تضمن للاسرائيليين "راحة بال" من لبنان وهو الوحيد الذي يقلق بالها فيما حدودها مع مصر وسوريا و​الاردن​ "تحت السيطرة". ويعتمد الاسرائيليون دون شك على التواجد الدولي في المنطقة (​اميركا​ و​روسيا​) كي يضمنا معاً استمرارية الصورة الجديدة للمنطقة.