– عندما تشعر الدولة الأقوى في العالم بالحصار، في مواجهة ​القدس​ التي استنهضت العرب والعالم، وعندما تستنجد هذه الدولة ورئيسها بما لديهما من أسباب القوة لتهديد الدول قبل التصويت، وتكون النتيجة هذه العزلة ل​أميركا​ و«إسرائيل» والعبرة بمن صوّت معهما، والحصيلة سبع دول فقط، نكاد نسمع ببعضها لأول مرة، هي مركينيسيا وبولو ونورو وجزر المارشال إضافة لتوغو و​هندوراس​ و​غواتيمالا​، بينما صوّتت مئة وثمانٍ وعشرون دولة إلى جانب القدس من بينها الدول الأربع عشرة التي صوّتت في ​مجلس الأمن​ ضدّ القرار الأميركي. فهذا يعني أنّ القدس ربحت المعركة الدبلوماسية بأرفع ما يمكن أن يكون الربح.

– قوة القدس وقوة أميركا تظهران في التأييد والرفض، أما حُسن إدارة العرب لمعاركهم فتظهرها لائحة الممتنعين وأغلبهم ممن يقيمون حساباً لمصالح صغيرة، ينالون من واشنطن مالاً أصله عربي، ولا يهدّد العرب به، أو يعرضون بديلاً عنه، أو يخشون غضب واشنطن ولا يقيمون حساباً لغضب عربي غير موجود، ورغم ذلك وضعتهم القدس بين الممتنعين ولم ينجح العرب في جلبهم للمؤيّدين.

– المهم أنّ القدس ربحت الجولة للعرب وليسوا هم من ربحوا لها الجولة، فماذا عساهم يفعلون بربحها؟ وكيف سيصرفونه؟ فسقف ما بين أيديهم سيصير حبراً على ورق، وسيخرج مَن يقول لهم اذهبوا وانقعوه واشربوا ماءه، أو أنّ هذا القرار لا يعادل ثمن الحبر الذي كُتب به. فهناك الكثير من القرارات مثله قد سبقته ولم تغيّر في واقع الحال شيئاً، وقيمة القرارات الأممية أنّها تمنح الشرعية لمن يريد وضع خطة لتنفيذها، والتنفيذ ليست له آليات دبلوماسية ولا قانونية بوجود الفيتو الأميركي الحاضر دائماً بكل وقاحة، والعربدة «الإسرائيلية» التي لا حدود لها، وحيث القوة وحدها يحق لها أن تتكلّم.

– القرار يكفي لتغطية قرار حرب، لو كان العرب أهل حروب على غير مَن لا يستحق، أو لغير حساب غيرهم، لكن أحداً لا يطالبهم اليوم بالحرب، فهل سيفعلون ما دونها، بأن يبدأوا بالتصويت على القرار والإعلان أنهم سيقاطعون كلّ مَن صوّت ضده، بما في ذلك أميركا؟ ولأنّ هذا فوق طاقتهم، فهل سيعلنون أنّهم سيتعاملون مع الاعتراف بدولة فلسطين كمعيار لعلاقاتهم الدولية يتبادلون العلاقات والمصالح مع مَن يعترف بها ويقاطعون من يقاطعها، أم يخشون أن يصطدم ذلك بالجدار الأميركي مرة أخرى، رغم أنّ مزاعم واشنطن تقول بالتمسك بحلّ الدولتين، وأنّ قرارها لا يغيّر شيئاً في مصير القدس؟

– الحدّ الأدنى أن يبدأ العرب بقوة القرار الذي صوّتت عليه ​الجمعية العامة للأمم المتحدة​، بجمع الاعتراف بدولة فلسطين، بسحب اعترافهم بوجود دولة اسمها «إسرائيل»، ودعوة أصدقائهم، وهم على الأقلّ نصف الذين صوّتوا مع القرار الأممي، ضدّ واشنطن، لسحب هذا الاعتراف. وهذا يشمل على الأقلّ دول منظمة المؤتمر الإسلامي، وعديد من دول عدم الانحياز، وترجمة ذلك بإغلاق السفارات. وهو أضعف الإيمان. فماذا لو أعلنت مصر و​الأردن​ و​تركيا​ سحب الاعتراف بـ «إسرائيل» وإغلاق السفارات معها، وإنهاء كلّ تعاون وتبادل ثنائي مع مؤسساتها وحكومتها، إذا علمنا أنّ عدد الدول التي اعترفت بـ «إسرائيل» منذ اتفاقيات ​كامب ديفيد​ يزيد عن الثلاثين وأنّ إحدى عشرة دولة غير عربية لا تزال ترفض الاعتراف بـ «إسرائيل»؟