"ما تشاهدونه اليوم احداث طبيعية بالنسبة لمسير وعر ينتهي بالقمة"، هكذا لخّص المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في ​إيران​ ​السيد علي الخامنئي​ الأحداث الدائرة في بلاده. ورغم بداية الاحتجاجات بمطالب محقة، بعد رزمة من الضرائب وضعتها حكومة الرئيس ​حسن روحاني​، إلا أن منحى الأمور أخذ طابع الشغب. وتحوّلت الإحتجاجات من مطالبات حكومية، إلى مطالبات بتغيير النظام.

أولى الجبهات التي يواجهها النظام الايراني حالياً هو المظاهرات في الشارع. وكانت الأحداث انطلقت في 28 كانون الأول الماضي في مدينة مشهد، بعد أول مشروع ميزانية قام الرئيس الإيراني حسن روحاني بتقديمه إلى مجلس الشورى الإسلامي، حاملاً معه انكماشا اقتصاديا كبيراً. وبدأت رقعة هذه الاحتجاجات تتوسع من محافظة إلى أخرى تحت شعار الضرائب، لتنطلق إلى مرحلة خطرة بحرق صور السيد علي الخامنئي ومؤسس الجمهورية الاسلامية السيد ​روح الله الخميني​(1). وإن كانت هذه الاحتجاجات هدفها التعديل في قانون الموازنة الجديد، لماذا حرق هذه الصور؟ ولماذا هتف البعض ضد غزّة ولبنان؟ وبالتالي فإن هذه الأحداث تؤكد البعد السياسي في التحركات الحاصلة وأن ما يحصل هو حق يراد به باطل.

ثاني الجبهات التي كان لها دور في الأحداث، هو التصريحات الخارجية التي تؤكد الدعم الخارجي لهذه التحركات. وركبت "المؤامرة" موجة الحقوق التي نادى بها الشعب الإيراني. ففي أيار الماضي، أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن محاربة إيران ستبدأ من الداخل، مؤكداً "اننا سنعمل لكي تكون المعركة عندهم في إيران وليس في ​السعودية​". ومنذ بداية الاحداث انهالت التهليلات والتبريكات الأميركية والاسرائيلية لهذه التحركات. وفي اعلان واضح عن تدخل ​أميركا​ في تحريك هذه المجموعات، أكد الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ أنه "حان وقت التغيير في إيران"، وأن "أصدقاء" الشعب الإيراني سيقومون بكل ما هو ممكن لمساعدته.

الجبهة الثالثة كانت اعلاميّة، من حيث ضخ المعلومات والمقاطع المصورة المنتقاة لتحركات المئات في الشوارع الإيرانية وهي دليل على أنها غير بريئة. في حين أنّها غابت عن نقل تحركات مئات الآلاف الداعمين للنظام الحالي في كل المحافظات الإيرانية. الهدف واحد، إظهار "ثورة" للشعب الإيراني ضد نظام لا يناصره أحد.

الهدف الأول من هذه التحركات هو ضرب النظام الأقوى في المحور المواجه للمشروع الأميركي السعودي في المنطقة. وقد بدأت منذ عام 2006 عند محاولة ضرب ​حزب الله​ في حرب تموز، ومن ثم الحرب السورية، والأزمة العراقية. كلها يجب وضعها في نفس الخندق وهو ضرب هذه المنظومة. الحرب الأساسية التي يتوجب على النظام في ايران مواجهتها هي الحرب الإعلامية التي تصوّر الجمهورية الاسلامية في ايران على انها جمهورية قمع، وهي عكس ذلك كلّياً والحريات والديمقراطية الموجودة في هذه البلاد لا يمكن أن يراها الشخص عبر الإعلام نظراً للحرب الاعلامية الكبيرة الممارسة ضد طهران.

وفي أسباب الاحتجاجات وانطلاقتها، يمكن القول أن السبب الأساسي لانطلاقتها في مشهد هو خسارة 160 الف عائلة مشهديّة أموالها في مشروع شانديز السكني بسبب عملية نصب واحتيال، واكتشاف الناس أن المتورط في هذه السرقة هم من المسؤولين في الحكومة والّذين لم تتم محاسبتهم. كما ان اعلان عدد من البنوك الايرانية افلاسها في مدينة مشهد وتجاهل الحكومة للمطالب الشعبية في هذا الموضوع أجّج أيضاً التحركات، ولكن إن كانت المطالب معيشية اقتصادية، لماذا حرق صور مقدّسة للنظام.

مقارنة مع ما سمّي بالثورة الخضراء عام 2009، فإن من يعمل على دعم هذه المظاهرات يصحّح أخطاء ثورة مير حسين موسوي. أولا، عدم وجود قيادة مركزية للتحركات(2)، ما يصعّب على النظام القاء القبض على رأس هذه التحركات. الثاني هو الانطلاق من نقطة محقة بعيدة عن السياسة، وهي الضرائب، للوصول إلى المرحلة الثانية وهي قلب النظام في ايران. ثالثاً والأهم، الإعتماد على الفقراء والمحتاجين بعيداً عن المترفين كما حصل في العام 2009.

وفي أول تصريح له، أكد الرئيس الايراني حسن روحاني أن حكومته تتعامل مع المظاهرات على أنها فرصة للتحسين وليست تهديدا للنظام، كما أشار إلى أن بعض المتظاهرين لديهم مطالب محقّة ولا يرتبط جميعهم بالخارج. بدوره اعتبر أمين ​مجلس الأمن القومي الإيراني​ ​علي شمخاني​ ان "ما يحصل على الانترنت حول إيران حرب بالوكالة ضد شعبنا"، مشيراً إلى أن "27 في المئة من المشاركين في الحملة على إيران عبر الانترنت يتبعون لحكومة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان".

بناء على كل ما سبق، فإن الحكومة مضطرّة في أسرع وقت أن تصحح الخلل الاقتصادي واعادة صياغة للضرائب التي فرضتها، كي لا تبقى شمّاعة لمهددي النظام. المظاهرات لم تنطلق بمؤامرة، الا ان استمرارها ودعم المحور الأميركي لها، دليل على أن الغرب سار معها وركب موجتها للوصول إلى ما هو اكبر من الضرائب، بل لتغيير نظام عمل الجميع، منذ وصوله في العام 1979، على اسقاطه.