في عزّ ما سُمّي بـ"شهر العسل" بين "​التيار الوطني الحر​" و"​القوات اللبنانية​"، والذي لم يدم طويلاً، اعتُبر إعلان رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ ترشيح ​فادي سعد​ عن المقعد الماروني في ​البترون​ بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير" بين الجانبين، بوصفها خطوة استفزازية اعتبر "العونيّون" أنّها تستهدف رئيس "التيار" وزير الخارجية ​جبران باسيل​ على المستوى الشخصيّ.

وفي عزّ ما يُحكى عن "تقارب الضرورة" بين "القوات" و"​الكتائب​"، بعد قطيعة طويلة تخللتها الكثير من المناوشات، يستعدّ "القواتيون" لإعلان ترشيح أنيس نصار عن المقعد الأرثوذكسي في دائرة عاليه، وهو المقعد الذي يشغله حاليًا النائب "الكتائبي" ​فادي الهبر​، ما يطرح السؤال: هل يكرّر "القواتيون" الخطأ الذي ارتكبوه مع "التيار"، ما قد يؤدّي إلى قطع الطريق على إمكانية التحالف مع "الكتائب"؟ وإلى أين وصلت المفاوضات بين الجانبين أصلاً؟.

تحالف الضرورة؟

بمُعزَلٍ عن الخطوة القواتية المنتظرة يوم الجمعة، بإعلان ترشيح نصار عن المقعد الأرثوذكسي في عاليه، والتي تأتي في سياق سلسلة الترشيحات التي تعلنها "القوات اللبنانية" بشكلٍ تدريجيّ في مختلف المناطق والدوائر، فإنّ مؤشّراتٍ عديدةً تدفع إلى الاعتقاد بأنّ التحالف بين "القوات" و"الكتائب" ينطبق عليه وصف "تحالف الضرورة"، بالنظر إلى الواقع الراهن، وخريطة توزيع القوى السياسية، والتحالفات، التي بدأت معالمها تتّضح شيئًا فشيئًا، وإن حافظت على رماديّتها والتباسها.

ولعلّ أهمّ محرّكات مثل هذا التحالف هو "الحاجة المتبادلة" بين "القوات" و"الكتائب" كلٌ إلى الآخر، ليس فقط بالنظر إلى تقاربهما على المستوى الاستراتيجيّ، في مقاربة مختلف القضايا، ولكن قبل ذلك لمواجهة ما يعتبرانها محاولات عزل وإقصاء مشتركة يتعرّضان لها من الأقربين والأبعدين. وقد ساهم ما حُكي في الآونة الأخيرة عن "تحالف خماسي" تتمّ بلورته بين "​تيار المستقبل​" و"التيار الوطني الحر" و"​حزب الله​" و"​حركة أمل​" و"​الحزب التقدمي الاشتراكي​"، ولو بقي حبراً على ورق لافتقاده للواقعيّة السياسيّة، في تعزيز وجهة النظر هذه، باعتبار أنّ تضخيم مثل هذا التحالف إعلاميًّا أظهره وكأنّه يستهدف "القوات" و"الكتائب" على وجه التحديد.

وبعيدًا عن النظريّات بين السلطة والمعارضة، يبدو واضحًا أيضًا أنّ التطبيق العمليّ يدفع باتجاه تكريس "تحالف الضرورة" بين "القوات" و"الكتائب"، على اعتبار أنّ أفق التحالفات أمام كلّ منهما بات ضيّقاً جداً، خصوصًا بعدما أصبح شبه محسومٍ أنّ لا تحالف بين "القوات" من جهة و"الوطني الحر" و"المستقبل" من جهة ثانية، ففي دائرة زحلة مثلاً، التي تعتبر معركتها عادة أم المعارك، لم يعد لدى "القوات" سوى "الكتائب" في ظلّ ما يحكى عن ثلاث لوائح متنافسة على الأقلّ، ما قد يصعّب حصولها على الحاصل الانتخابي منفردةً كما كانت تراهن، والأمر نفسه يسري على "الكتائب"، التي قد لا تكون تحالفاتها مع قوى ​المجتمع المدني​ كافية لإحداث فرقٍ حقيقيّ.

مفاوضات واستفزازات...

هكذا، يمكن القول إنّ قناعة راسخة باتت لدى كلّ من "القوات" و"الكتائب" بأنّ تقاربهما يفيدهما في ظلّ واقع التحالفات وتركيبتها المعقّدة، علمًا أنّ المعلومات المتوافرة تؤكد أنّ حوارًا جدياً انطلق بين الجانبين، بعيدًا عن الإعلام، بمعزل عن دقّة ما يُحكى عن لجنة معيّنة تمّ تشكيلها لهذا الغرض، وتفيد أنّ البحث يتناول إمكان الذهاب نحو تحالف واسع يشمل مختلف المناطق المسيحية بما يمكن أن يعيد التوازن للساحة المسيحية بشكلٍ أو بآخر.

لكن، وحتى إشعارٍ آخر، فإنّ كلّ ما يُحكى عن تحالفٍ تمّ نسجه وترسيخه بين الجانبين غير صحيحٍ على الإطلاق، وكلّ ما في الأمر أنّ المفاوضات بين الجانبين تسير على قدمٍ وساق، وهي أفضت حتى الساعة إلى وقف الهجمات المتبادلة عبر الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ولكنّها لم تتجاوز ذلك وصولاً إلى الاتفاق على التحالف السياسيّ أو الانتخابيّ، من خلال العمل لإعادة أمور العلاقات المشتركة بينهما إلى سابق عهدها، في ضوء "الحملات" التي تمّ شنّها من الجانبين على بعضهما البعض في الآونة الأخيرة، ولا سيما بعد تفاهم "القوات" و"التيار"، وتشكيل الحكومة، وإقصاء "الكتائب" عنها، نتيجة ما اعتُبِرت "مكيدة قواتية" أقلّه في صفوف "الكتائب".

وعلى وقع المفاوضات الحاصلة، تأتي "الاستفزازات" التي يمكن أن "تخرب الطبخة" كما يقال، لكنها يمكن أيضًا أن تمهّد للاتفاق الشامل، على طريقة "إذا لم تكبر لا تصغر"، خصوصًا أنّ هذه الاستفزازات والتحديات تُعتبَر عادةً أمرًا محبّذاً في مرحلة "المفاوضات"، كونها تخدم هدف "رفع الأسقف". ولا شكّ أنّ هذا الأمر مشتركٌ بين الجانبين، فتمامًا كما أنّ "القوات" تستفزّ "الكتائبيين" من خلال إعلان ترشيحاتها، التي تحاول "تلطيفها" بالقول إنّها تبقى غير نهائيّة، فهناك من يعتبر أنّ مثل هذه الخطوة تأتي رداً على "الشروط" التي يضعها "الكتائبيون" للانتقال إلى مرحلةٍ ثانيةٍ من المفاوضات، وتقضي باستقالة "القوات" من الحكومة تمهيدًا لتشكيل جبهة معارضة مع "الكتائب"، الأمر الذي لا ترفضه "القوات" بالمُطلَق، لكنّها لا تعتبر أنّ التوقيت الحاليّ هو المناسب له.

لا شيء واضحًا...

يكاد الأمر الواضح الوحيد في كلّ المعمعة الانتخابيّة أن لا شيء واضحًا بعد، في ما يتعلق بالتحالفات التي سيخاض الاستحقاق الانتخابيّ على أساسها. فإذا كان التحالف الخماسيّ مستبعَدًا، فإنّ هناك من يقول إنّ تحالف "الوطني الحر" مع "حزب الله" من جهة و"تيار المستقبل" من جهة ثانية لن يكون شاملاً لكلّ الدوائر، وأنّ كلّ الأمور لا تزال قيد الدرس.

وإذا كانت معالم التحالفات تجعل "القوات" و"الكتائب" يجدان في التقارب بينهما مصلحة انتخابية مشتركة، فإنّ كلّ شيء يبقى قابلاً للتغيير حتى ربع الساعة الأخير، الذي سيرسم كلّ المعادلات، وإلى حينه يبقى الانفتاح على الجميع أساساً، منعًا لندمٍ قد لا ينفع...