لا يبدو أن الأزمة المحتدمة بين بعبدا وعين التينة على خلفية مرسوم ضباط دورة 1994 تسلك مسار الحل. لا بل على العكس تماما، باعتبار ان "المبادرة الحريرية" التي كان يترقبها رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ الأسبوع الماضي، لا تزال تتخبط في المجهول، ما يوحي بأنْ ليس هناك بالأصل من مبادرة وبأن ما أعلنه رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ بعد رأس السنة كان أشبه بمحاولة لامتصاص حدة الأزمة، نجح فيها الى حد بعيد، لكن مفعولها بدأ يتلاشى وقد تكون لها نتائج عكسية هذا الأسبوع وبخاصة من جهة الرئاسة الثانية.

فبالتوازي مع استعار المواجهة بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، يتنامى عتب عين التينة على بيت الوسط. فبعد كل محاولات بري وفريقه السياسي تحييد الحريري عن الأزمة واظهاره طرفا وسيطا محايدا، علما انّه كما عون تماما وقّع المرسوم واتجه لاعتباره نافذا من دون الأخذ بعين الاعتبار وجوب ارفاق التوقيعين بتوقيع وزير المال، يبدو أن صبر "عين التينة" قد نفذ وباتت تشعر أنّها متروكة لمواجهة أزمتها وحيدة خاصة وأن مسار الأمور يوحي بسعي الرئاستين الأولى والثالثة الى تجاوز ما حصل من خلال تجاوز مطالب بري.

وقد بدأت أصوات مقربين من "عين التينة" ترتفع فعليا للتعبير عن امتعاضها من طريقة ادارة هذا الملف وبالتحديد من تعاطي الحريري معه باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية وبالتالي معنيا أول بالمراسيم التي تصدر عن حكومته. وفي هذا الاطار تقول مصادر معنية قريبة من "عين التينة" أن "تجاوز الحريري لـ"دستورية" المراسيم يحمّله المسؤولية تماما كما رئيس الجمهورية، علما انّه لطالما كان أقرب المقربين من بري ويحرص للوقوف عند رأيه، فكيف في المرحلة الحالية بعد ان وقف الأخير الى جانبه حتى النهاية بأزمته الأخيرة مع الرياض". وتضيف

المصادر: "من المستغرب سعي الحريري لتصوير الرئيس عون كالمنقذ الوحيد وتناسي كل من وقف الى جانبه في كل محنه"، مشددة على انّه "لولا الوحدة الوطنية وتضامن كل الفرقاء معه لما نجح أي طرف لوحده بانتشال الحريري مما كان يتخبط فيه".

وبالرغم من سعي طرفي المواجهة الحالية، اي بري وعون، خلال الأسبوع الماضي الى وقف السجال الاعلامي بينهما، بمحاولة لاستيعاب الأزمة تمهيدا لمعالجتها، يبدو ان الأمور قابلة للانفجار مجددا هذا الأسبوع، بغياب اي وساطة تذكر واعتبار "عين التينة" أن بعبدا باتت تتعاطى مع المرسوم كأنّه نافذ حتى ولو لم ينشر في الجريدة الرسمية. وتقول المصادر: "اذا كنا قد حرصنا على اظهار حسن نية من خلال مشاركتنا وتعاوننا في الجلسة الحكومية الأخيرة لاعطاء مزيد من الوقت لحل الأزمة، فذلك لا يعني اننا سنسكت عن تجاوز القانون و​الدستور​ وسنتمسك بايجابيتنا مقابل تمسك الفريق المقابل بسلبيته"، مشددة على ان "التصعيد يبقى خيارا متاحا في اي لحظة".

بالمحصّلة، يبدو جليا ان العلاقة المتردية بين عون وبري تحولت أشبه بكرة ثلج كبيرة تتدحرج وبسرعة من على منحدر عال وتطيح بكل ما يعيق طريقها، تماما كما هو مرجح أن يطيح الخلاف المتمادي بين الرئاستين الأولى والثانية بكل الملفات المستعجلة، ما يهدد بادخالنا مرحلة تصريف الأعمال قبل أشهر من موعد الانتخابات النيابية.