يبدو أن ​واشنطن​ اتخذت قرارا حاسما بالتصدي لمؤتمر سوتشي الذي تُعد له ​موسكو​ منذ فترة وتتطلّع خلاله لمناقشة أكثر من 1500 شخصية سورية ملفي الانتخابات و​الدستور​. فبعد تأجيل أول مؤتمر، يبدو محسوما اننا نتجه لتأجيل ثانٍ للموعد المحدّد نهاية الشهر الجاري نتيجة التصعيد العسكري الذي يشهده الميدان السوري، ما يُحرج موقف اي من أطراف المعارضة التي قد تكون راغبة بالمشاركة فيه، اضافة للتصعيد السياسي الذي تنتهجه واشنطن مؤخرا، والتي قررت على ما يبدو كسر أحادية القرار الروسي على الساحة السوريّة، وان كانت لا تزال تتخبط في مشهد بات يميل تماما لمصلحة المحور الروسي–الايراني.

وتكشف مصادر معنيّة بالملفّ أن ​الولايات المتحدة​ تضغط لافشال هذا المؤتمر، من خلال التواصل مع مجموعات المعارضة المختلفة، سواء السياسية أو العسكرية لثنيها عن المشاركة فيه، من دون ان تقدّم لها اي مقابل ملموس بموضوع اعادة تفعيل برنامج دعم "الفصائل المعتدلة". وتقتصر الوعود الأميركية للوفود السوريّة التي تزور واشنطن بالسعي لضم المجموعات التابعة ل​إيران​ على ​لائحة الارهاب​، وان كان أي قرار نهائي في هذا المجال لم يُتّخذ بعد.

والمستغرب أنّه رغم مرور عام على استلام ​الادارة الأميركية​ ​الجديدة​ مقاليد الحكم، فهي لم تبلور حتى الساعة استراتيجية وآليّة واضحة للتعامل مع الأزمة السوريّة، ولا تزال تبحث مع قياديين في ​المعارضة السورية​ في مشاريع وخطط لم تتبنَّ أيا منها حتى الساعة. وتشير المصادر الى أنّ كل ما يهم الولايات المتحدة حاليا الحدّ من دور ​طهران​ والتمدد الايراني في ​سوريا​، كما كسر أحادية القرار الروسي في الملف السوري. وتضيف، "لكنّها بالمقابل تصر على حصر مساعداتها بحليفتها الاستراتيجية في الميدان المتمثلة بوحدات الحماية الكرديّة. فبالرغم من استضافتها في سابقة وفدا عسكريا من ​الجيش​ الحر، يلتقي حاليا مسؤولين رفيعي المستوى في واشنطن، فهي لم تحمّله أي وعود جدية بخصوص اعادة تفعيل برنامج دعم عدد من الفصائل المعتدلة، وهو برنامج للـCIA أوقفه الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ الصيف الماضي".

ولعل ما يزيد حيرة الأميركيين في مقاربة الملف السوري، هو تضارب رؤيتهم العامة مع الرؤية التركية، ما أدّى لتوتر العلاقات بين البلدين ودفع ​أنقرة​ لاعادة التلويح بورقة "​عفرين​" واتخاذ خطوات عمليّة في اتجاه الاستعداد لشنّ حملة عسكرية على الوحدات الكرديّة المنتشرة في المنطقة. وتستبعد واشنطن أن يلجأ الأتراك لفتح معركة مباشرة مع حلفائها ​الأكراد​. وهي لا تزال تتعاطى مع المعلومات الواردة من الشمال السوري على اساس أنّها ضغوطات تمارسها أنقرة لن تقترن بأي عمل عسكري كبير لا يحظى بغطاء اميركي ولا حتى روسي. فبالرغم من أن ابتعاد ​تركيا​ عن الحضن الاميركي جعلها أقرب الى الحضن الروسي، الا انّها لم تنجح حتى الساعة باقناع موسكو بمعاداة الأكراد لترتمي في حضنها كليا!.

وتشير كل المعطيات الواردة على حد سواء من واشنطن وموسكو كما من أنقرة الى ان سوريا ستكون على موعد مع احتدام القتال مجددا، وهو ما انطلق عمليًّا سواء في ​الغوطة الشرقية​ او في أرياف حماة وادلب وحلب نتيجة تضارب الأجندات الاقليمية والدولية. ولعل سقوط اتفاق مناطق خفض التصعيد، من شأنه أن يعيد الأمور الى نقطة الصفر بموضوع الحل السياسي، ويضرب مسار آستانة بعدما تحول مسار جنيف غير منتج ومسار سوتشي المستهدف!.