بعد مرور عام على تسلمه مقاليد الحكم في ​الولايات المتحدة​، لا تزال قضية العلاقة بين الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ و​روسيا​ وتأثيرها على الانتخابات الرئاسية، تطارد ساكن ​البيت الابيض​ الحالي، وها هو يعلن استعداده للادلاء بشهادته امام لجنة التحقيق اما كتابة او حضوراً.

اللافت في المسألة ان ترامب كان قد استبعد في وقت سابق امكان الادلاء بالشهادة، مستخفاً بالمعطيات التي تملكها اللجنة والشهادات التي حصلت عليها، ولكن على ما يبدو، بات اليوم في موقع لم يعد بامكانه الاستخفاف بالامر، ويعتقد الكثيرون ان المسألة جدية وقد تكون بداية الثغرة التي يبحث عنها الديمقراطيون ومعارضو ترامب لازاحته عن الرئاسة.

ويقارن البعض بين قضية ترامب وقضية الرئيس الاميركي السابق ​بيل كلينتون​ الذي تعرض ايضاً للتحقيق، ليخلصوا الى ان النتيجة ستكون نفسها، اي لن يكون هناك من خطر على ترامب. ولكن، المسألة ليست بهذه السهولة، فقضية كلينتون اخلاقية وتتعلق باقامته علاقات جنسية مع الموظفة في البيت الابيض مونيكا لوينسكي، وقد استطاع كلينتون بحنكته وبما يملكه من قدرة على الاقناع، في التملص من المسألة دون ترك اي عواقب على مسيرته وموقعه، وحتى على زواجه.

اما ترامب، فالقضية اخطر بكثير وتتعلق باتهام بالتعاون مع دولة اجنبية للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية، وهنا تكمن الخطورة. فالدولة المعنية هي روسيا التي لا يزال الاميركيون يحتاطون منها ويعتبرونها مصدر خطر عليهم، خصوصاً في ظل التوسع الكبير الذي قام به الرئيس الحالي ​فلاديمير بوتين​ لجهة استعادة نفوذ الاتحاد السوفياتي السابق دبلوماسياً وسياسياً وعسكرياً، كما ان التوتر الذي ساد في الفترة الاخيرة، اوحى بأن الامور لن تقف عند هذا الحد، وان ترامب سار بخطوات ضد روسيا كي يبعد شبح اتهامه باقامة علاقات معها قبل الانتخابات. والامر الثاني الذي يختلف بشكل جذري عن قضية كلينتون، هو ان جوهر التحقيق قد يصل الى حدود الخيانة، اي انها اكبر واخطر تهمة قد تلحق بمواطن في بلده، وتداعياتها بالغة الخطورة على الوضع الاميركي برمته اضافة الى وضع الشخص المعني.

الامر الثالث الذي يمكن ملاحظته في هذا المجال ايضاً، هو ان العلاقة بين كلينتون والشعب والاعلام الاميركي تختلف بشكل جذري عن تلك التي تجمع ترامب بالشعب والاعلام، فالاول كان يعمل على تحسين الاقتصاد دون ان يخفف من النفوذ الاميركي في العالم، فيما الثاني يعمل على جذب الاموال وتحسين الاقتصاد، انما مع تراجع واضح للنفوذ السياسي والدبلوماسي في العالم اجمع، وهذا ما جعل الاوروبيين يرفعون الصوت تجاه الاهمال الاميركي، وافساح المجال امام روسيا لتوسيع نفوذها وتعبئة الفراغ الذي تركه هذا التراجع المفاجىء للاميركيين. ولم يشهد عهد كلينتون هذا الانقسام الفاضح في الموقف من الرئيس الاميركي كما يشهده عهد ترامب، علماً انه لم يمض سوى سنة واحدة في منصبه ولكنه نجح في تقسيم الرأي العام منذ اللحظة الاولى، كما ان عداءه للاعلام ساهم في انخفاض شعبيته بشكل دراماتيكي خلال الاشهر الماضية، ناهيك عن مواقفه واعتماده على وسائل التواصل الاجتماعي لايصالها، و"مجزرة" الطرد التي تطال موظفيه واقرب الناس اليه، وهو امر ساعد ايضاً في تخفيف نسبة الثقة بشخص الرئيس الحالي، من المسؤولين الرسميين وشركائه واصدقائه، والشعب الاميركي بشكل عام.

انها لحظة حرجة في تاريخ ترامب، وعليه النجاح في تخطيها، وفي حال الفشل، فستأخذ الامور منحى كارثياً وقد تكون اميركا امام موقف صعب، وستتجه الانظار عندها دون شك الى القضاء الاميركي الذي سيجد نفسه امام اختبار حقيقي، وسيكون على المحك لمعرفة مدى التزامه بالقوانين والشرائع ام لا.