التهديد الذي يشكله ​التدخين​ على الصحة العالمية هو أمر غير مسبوق. فدراسة تلوى الأخرى ووضع التدخين والمدخنين يزداد سوءا إلى درجة دفعت ​منظمة الصحة العالمية​ للإشارة أن نحو 8 ملايين شخصا سيلقون حتفهم سنويا بسبب التدخين بحلول 2030 مقارنة بالحصيلة الحالية البالغة نحو 6 ملايين، أرقام مفزعة يصعب القفز فوقها أو تجاهلها.

إن الطرق الشائعة للتدخين هي ​السجائر​ الصناعية الجاهزة أو السجائر الملفوفة يدويا، وهناك طرق أخرى مثل السيجار والشيشة وغيرها.

علب السجائر متنوعة بألوان وأذواق مختلفة تباع في الأسواق والمحلات، علب بداخلها موت يتهافتون عليها ويشترونها مهما غلا ثمنها حتى رغم الضريبة المفروضة، والواقع بدلائله يشير إلى استفحال الظاهرة يوما بعد يوم في أوساط الشباب والأطفال وحتى الشابات.

فالبعض يقبل على منتجات السجائر والشيشة من زاوية الموضة والأتيكات والبرستيج و"تكملة" الجلسة، رغم أنهم يعرفون تمام المعرفة مضار التدخين على صحتهم.

تحتوي السيجارة ومعسل الشيشة ودخانها على ما لا يقل عن 4000 مادة كيميائية تدخل في تركيبتها وصنعها، ومن بينها 93 مادة تقريبا سامة جدا ومسببة للسرطان، ومن هذه المكونات النيكوتين، القطران، غاز أول أوكسيد الكاربون، غاز ثنائي أوكسيد الكاربون، أكاسيد النيتروجين، البولونيوم ومركب الأمونياك وغيرها الكثير...

الأمراض الناتجة عن نتائج التدخين

من المعروف أن للتدخين آثار وخيمة، فالسيجارة صغيرة بالحجم وكبيرة بالنتائج. وهذه الآثار لا تقل شأنا بالنسبة للأرجيلة (النارجيلة)، فنفس الأرجيلة الواحد (والذي هو مصطلح شائع يطلق على جلسة الأرجيلة التي يتم فيها استنشاق دخانها عادة على مدار فترة زمنية قد تصل لساعة كاملة أو أكثر) يعادل تدخين مائة سيجارة أو أكثر وفقا لمنظمة الصحة العالمية، أي خمس علب من السجائر، وهذا يعني أن الأرجيلة ليست أقل ضررا من السجائر على الإطلاق، بل أخطر بكثير.

"التدخين هو القاتل المأجور الأغلى أجرا في العالم"، هذا ما بادر به الدكتور أحمد نبيه سرحال، أخصائي أمراض القلب والشرايين، في مقابلتي معه، ويتابع معددا مجموعة من الأمراض اللامتناهية التي يسببها التدخين، والتي لا تعتبر فقط مزمنة إنما هي أيضا السبب الرئيسي للوفاة في مجموعة من دول العالم.

بحسب الكثير من الدراسات إن التدخين هو المسبب الأول والرئيسي للأمراض القلبية، فنسبة الأشخاص الغير مدخنين الذين يتعرضون لدبحات قلبية لا تتجاوز ال 10%، مقارنة بنسبة كبيرة من المدخنين وخاصة من لا يتعدى عمره 60 أو 65 عاما.

فالسموم الموجودة في دخان التبغ تقلل من الكولسترول الجيد(HDL)، وتؤدي إلى ارتفاع مستويات الكولسترول السيئLDL) )، ما يؤدي بالتالي إلى الانقباض و في الحالات القصوى إلى عرقلة تدفق الدم مما يسبب العديد من المشاكل بما في ذلك النوبات القلبية والسكتات الدماغية، وارتفاع ضغط الدم.

وكذلك مرضى السكري الذين يدخنون هم 5 مرات إلى 10 مرات أكثر عرضة للجلطات الدماغية والدبحات الصدرية، وللمضاعفات الخطيرة لأمراض اعتلال الشبكية، واعتلال أعصاب الأطراف السفلى، وأكثر عرضة لمشاكل زيادة جرعات الانسولين للسيطرة على مرضهم.

واستنتجت البحوث أن المدخنين هم 30-40٪ أكثر عرضة لتطور مرض السكري من النوع 2 مقارنة بغير المدخنين.

والتدخين يمكن أن يسبب سلسلة من أمراض الرئة المعروفة باسم الأمراض الرئوية المزمنة (COPD)، كانتفاخ الرئة التي تؤدي إلى نقص نقل الأوكسيجين في الدم فيجد المدخن صعوبة في التنفس. إضافة إلى التهابات الرئة والتهاب الشعب الهوائية المزمن مما يؤدي إلى السعال وهو ما يمكن ملاحظته لدى العديد من المدخنين.

ويسبب أيضا، مجموعة من أنواع السرطان في الجسم كسرطان اللسان والشفة والحنجرة والقصبة الهوائية والشعب الهوائية والمثانة البولية وعنق الرحم... بما في ذلك سرطان الرئة. ويقول الدكتور ديزموند كارني، طبيب الأورام في الكلية الجامعية، دبلن، والأمين العام للرابطة الدولية لدراسة سرطان الرئة، "إن 75 في المائة من وفيات سرطان الرئة ناجمة مباشرة عن تدخين السجائر ".

يضيف سرحال أن التدخين يزيد من معدل ضربات القلب وضيق الشرايين الرئيسية، أي يسبب عدم انتظام في ضربات القلب، مما يجعل عمل القلب أكثر صعوبة.

طرق الإقلاع عن التدخين

يعرض الدكتور أحمد طرق عديدة للإقلاع عن التدخين، رغم أنه ليس بالشيء السهل عند البعض ولكنه يستحق جهدا للحفاظ على أجسامنا وصحتنا.

فأولها مرتبطة بقناعة المدخن وإرادته، كما أن على الطبيب أن يخصص مساحة من الوقت خلال الزيارة للتكلم مع المريض لمساعدته على تخفيف التدخين وزيادة فعالية الإقلاع عنه. هذا إلى جانب الرياضة التي قد تقلل من شهيته لإشعال السجائر، هذا ما أثبتته أيضا دراسة أجريت في جامعة إكسيتر في بريطانيا ونشرت في مجلة "الإدمان " Addiction.

وقد وجدت دراسة أخرى أن المدخنين الذين يمارسون الرياضة تزداد فرص نجاحهم في الإقلاع عن التدخين بنسبة 55 في المئة عن الذين لا يمارسون الرياضة، كما تقل فرص عودتهم إلى الدخان بنسبة 43 في المئة. وقد أجريت هذه الدراسة في تايوان وقدمت في المؤتمر العالمي لأمراض القلب في دبي 2012.

كما أن هناك العديد من أدوية "علاج التعويض عن النيكوتين" Nicotine Replacement Therapy، وكثير منها متوفر من غير وصفة طبيب، مثل لصقات النيكوتين وأقراص الحلوى nicotine lozenge وبخاخات النيكوتين وأجهزة استنشاق النيكوتين والحبوب التي توضع تحت اللسان. هذه الأدوية تعوّض الجسم النيكوتين الذي أدمن عليه لكن من غير أضرار التدخين، وخلال فترة الإقلاع يجب استخدامها بجرعات أقل فأقل لكي يعتاد الجسم تدريجيا أن يكون دون النيكوتين.

والطريقة الأخيرة هي السيجارة الإلكترونية، فهي غير آمنة كسائر الطرق لكنها أقل ضررا من السيجارة، ويتم استخدامها مقابل توقف كلي للسجائر.

أعراض ما بعد الإقلاع عن التدخين

يشير الدكتور سرحال أن هناك أعراض ناتجة عن ترك التدخين يتخوف منها المدخنون، أبرزها زيادة الوزن، ولتجنب ذلك من الضروري اتباع نظام غذائي صحي، وممارسة التمارين الرياضية المعتدلة. ولكن الوزن المكتسب نتيجة الإقلاع عن التدخين لا يشكل أي تهديد خطير للصحة، مثل الخطر الكبير الذي يشكله التدخين.

مضيفا أن البلغم والسعلة عارضان غير مضران يصادفان الشخص المتوقف عن التدخين، لأن شعيرات الجهاز الرئوي تكون قد استرجعت عملها في تنظيف الرئة وهذا شيء ايجابي، ويجب تجنب أخذ أدوية للسعلة والبلغم كي لا يعيق خروج السموم وبالتالي ابقائها في الجهاز التنفسي.

لا يحتاج الجسم إلى التبغ بالطريقة التي يحتاج فيها للغذاء والماء والنوم عند الجوع والعطش والتعب، وهكذا فإن لكل فعل سببا مناسبا له داعيا إلى حدوثه.

التدخين ليس له سبب يقتضي حدوثه، فلماذا تدخن؟ أكد تيم ملحم "إن الوحدة هي الدافع الرئيسي وراء تدخين الشيشة، فأنا في بلاد الإغتراب وما زلت أعزبا، لذلك هي المؤنس الوحيد في الغربة، وليس لدي النية لتوقيفها فلقد أدمنتها".

يقول عيسى حرفوش إن أكثر الأصدقاء الذين يتواجد معهم يدخنون، فكان من السهل أن يتأثر بهم في سن المراهقة، فبدأ بتدخين السجائر مجاراة بزملائه سرا عن أهله لمدة سنتين تقريبا قبل أن تصبح علنية، فهو لم يعتبرها عيبا لأن الكثير من الناس استحسنوا تعاطيها أمام الملأ دون خجل.

أما زهرة ياسين البالغة من العمر 68 عاما، توضح أن عند شعورها بالحزن والغضب وتزايد الهموم تلجأ إلى التدخين، فيذهب بذلك الضيق والقلق والتوتر، لكنني أسعى جاهدة للتخلص من السجائر لأنها لا تكمل النقص بل تزيد المعاناة على مر السنين.

فالتدخين عادة ووباء خطير، وشر مستطير، وأصبح مألوفا لدى المراهقين وكبار السن حتى باتوا أمام خطر محدق يتربص بصحتهم ويسلبهم لذة الحياة. فكيف تحكم هذا القاتل في عقول الملايين من البشر حتى صيرهم تحت قهره وسلطانه، فغضوا عن أضراره الطرف واستلذوا في تعاطيه؟

بكلمة واحدة، هو الإدمان، بمجرد أن تبدأ، من الصعب التوقف.

التدخين السلبي أو التدخين اللاإرادي

من الضروري الإشارة إلى أن المدخن لا يضر نفسه فقط، بل يضر كل من حوله وخاصة الأطفال، نتيجة استنشاق الدخان السام الناتج من المدخنين، هذا ما يعرف بالتدخين السلبي أو التدخين اللاإرادي.

لذا فإن التدخين بالقرب من الرضع والأطفال يصيبهم بمشاكل صحية عديدة، بما في ذلك نوبات الربو الأكثر تواترا وشدة، والتهابات الجهاز التنفسي، وتشمع الأذن، ومتلازمة الموت المفاجئ للرضع (SIDS) .

متلازمة موت الرضع المفاجئ (SIDS) هي الموت المفاجئ وغير المبرر وغير المتوقع للرضيع في السنة الأولى من العمر.

إضافة إلى ذلك يسبب التدخين أثناء الحمل التشوه الخلقي وهو المسبب الثاني لذلك بعد الكحول.

أما بالبسبة لبعض الأمراض الصحية الناجمة عن التدخين السلبي لدى البالغين فتشمل أمراض القلب التاجية والسكتة الدماغية وسرطان الرئة.

هكذا نرى أن المدخن بطريقة مباشرة وغير مباشرة، هو عرضة للعديد من الأمراض التي تضر بشدة حياته.

إجراءات لتخفيف التدخين

إذا، نرى إن نطاق عبء المرض والوفاة الذي يفرضه التدخين على صحة الجمهور واسع النطاق. ویعتبر تدخین السجائر محور الترکیز الرئیسي لأنھا مشکلة ​الصحة العامة​ المرکزیة، لذلك لا بد من اتخاذ إجراءات لتخفيف التدخين.

هناك العديد من التدابير والاستراتيجيات الفعالة، مثل حظر الإعلانات المباشرة وغير المباشرة عن التبغ، ضرائب على التبغ ورفع أسعاره، ومنع التدخين في الأماكن العامة وأماكن العمل وتغريم من يخالف ذلك، والعمل على إغلاق الثغرات في القوانين الحالية لمكافحة التدخين، كما يتطلب الكشف عن المواد المضافة والمكونات المستخدمة في تصنيع منتجات التبغ.

إلا أن بالرغم من التوجيهات والتشريعات بقيت هذه الظاهرة تذحف في مجتمعنا وتقتل شبابنا وتحيل الواقع الجميل إلى مأساة.

فمهما حاولنا جاهدين توقيف وردع آفة التدخين، مع الأسف يبقى الكثير من الناس يحافظون على تلك العادة السيئة. فيا ليتنا نطالب ونحافظ على حقوقنا في مختلف المجالات على قدر ما يتم المدافعة عن السجائر و الأرجيلة.

دورنا كإعلاميين وصحفيين سواء في الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب يتمثل هنا بمحاربة هذه الآفة. عدد كبير من الناس لا يعتقدون أنه إدمان ولكن برأيي وبرأي الكثير من الأطباء، هذا فعلا إدمان.

يد بيد نستطيع تحقيق الفرق والتغيير، ونشر الوعي بين الناس، فكما نعلم إن الإعلام هو سلاح قوي نتمكن من خلاله محاربة كل ما هو مضر كالتدخين.