ظنّ كثيرون أنّ الرئيس ​سعد الحريري​ سيرسم في تحضيراته لانتخابات أيار 2018 معالم مستقبلية جديدة بعيدة عن الشحن الطائفي والمذهبي والسياسي. محطات ظنّ كثيرون أنّها طبعت أداءه منذ ​التسوية الرئاسية​ الحكومية، بخاصة في ضوء تأكيده أنّ ​لبنان​ ليس بحاجة لا إلى تصعيد ولا إلى تأزيم، وأنّ همّه التهدئة وإدارة البلد بأفضل طريقة لما فيه مصلحة المواطنين.

في 29 كانون الثاني الماضي، وتعليقاً على وصف وزير الخارجية ​جبران باسيل​ الرئيس ​نبيه بري​ بـ «البلطجي» في لقاء ب​البترون​، قال رئيس الحكومة في بيان إنّه «لأمر محزن جداً أن يتداعى الخطاب السياسي إلى المستويات التي بلغها في الساعات الأخيرة، ومن المؤسف والمحزن أيضاًأن تنعكس أصداء هذا الخطاب على الشارع، وعلى وسائل التخاطب والتواصل الاجتماعي، بصورة لا يتمناها أيّ لبناني يراهن على سلامة البلد واستقراره».

مَن سمع الحريري وقرأ بيانه أتى إلى ذهنه أنّ رئيس ​تيار المستقبل​ بات حكيماً وسيخوض الانتخابات النيابية بطريقة مختلفة عن انتخابات عامي 2005 و2009. توقّع هؤلاء أنّ خطاب الحريري وقياديّي المستقبل سيبقى مضبوطاً وطنياً، بمعزل عن تفهّم ​حارة حريك​ لتكرار الحريري مقولةإنه لن يتحالف مع حزب الله.

لكن الإطلالات الزرقاء «الآذارية» أكدت أنّ حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر. ما حصل ثبت أنّ الرئيس الحريري لا يزال يعتمد الطرائق نفسها التي خاض بها الانتخابات الماضية لتجيير البيروتيين والبقاعيين والصيداويين غرائزياً وطائفياً تحت مظلة دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسلاح حزب الله و​المحكمة الدولية​ وتحت شعار 7 أيار 2018 هو ردّ على 7 أيار 2008. لكن الحريري نفسه هو الذي قال في تصريح لمجلة «الباري ماتش» الفرنسية في كانون الأول الماضي إنّ «حزب الله لا يستخدم سلاحه على الأراضي اللبنانية»، وهو الذي أكد في حديث لـ «أمتي في» الشهر الماضي أنّ «حزب الله لا يهوى حمل السلاح، فهو قام بمهمته ويتمنّى أن تكون الدولة قوية، وأن يسلم السلاح بالتنسيق مع الجيش اللبناني». لكن الواضح أنّ الحريري تأسّس و«تأدلج» و«أدلج جمهوره» على قاعدة لا يؤتى أكُلُه إلا خطاب فتنة.

أما في ​طرابلس​، فحدِّث ولا حرج. فخطاب الحريري كان موجهاً بالمباشر ضدّ الرئيس نجيب ميقاتي. خطاب بعد نحو 9 سنوات غياب جاء تعبوياً محضاً، فخلا من أية أهداف ومشاريع للمدينة. علماً أنّ أحداً لم يستغرب هجوم رئيس الحكومة المربك انتخابياً على ميقاتي. ففعالية الأخير وقواعد عمله الثابتة والراسخة المتصلة بمصالح الناس وخدماتهم مثّلت، بحسب الطرابلسيين، ظاهرة في عاصمة الشمال، من الصعب على الحريري أن يتجاوزها أو يتخطاها.

وعلى هذا الأساس لجأ الحريري إلى تصويب أسهمه التحريضية تجاه «النجيب»، في ضوء عجزه عن الردّ إنمائياً وخدمياً، أو التفاعل اليومي مع أهالي الفيحاء الذين اعتادوا على وجود الرئيس ميقاتي بينهم أقله 4 أيام في الأسبوع.

الاتهامات الحريرية هي نقطة قوة لصالح ميقاتي، يقول الطرابلسيون. وتهجّم الشيخ سعد على الرئيس الأسبق للحكومة لا يفسَّر إلا في خانة الخطر الحقيقي الذي يشكله تيار العزم شعبياً على تيار المستقبل في طرابلس، فضلاً عن تيقنه من واقع النجاح المبكر للرئيس ميقاتي قبل صدورنتائج الانتخابات. واقع أكده بالأرقام الخبراء الانتخابيون.