يدخل ​المجلس النيابي​ اليوم في دراسة مواد الموازنة تمهيداً لإقرارها على عجل، لضرورات مؤتمر سيدر الذي ينعقد في 6 نيسان المقبل بعدما استفاض النواب أمس، في الجلسة الأولى التي عقدت برئاسة الرئيس ​نبيه بري​ بالحديث عن الفساد وضرورة الإصلاح والإنماء والخلل في الضرائب والإعفاءات في إطار «الفذلكات الانتخابية»، بعيداً عن فذلكة الموازنة التي خلت من رؤية أو خطة لخفض العجز ومحاربة البطالة ومكافحة الفقر وخلق فرص عمل وتخفيض الدين العام.

لقد قدّم الرئيس ​فؤاد السنيورة​ مطالعة تقويمية مطوّلة حول الوضع المالي والاقتصادي الراهن. مطالعة استحوذت على اهتمام خصومه في السياسة قبل حلفائه، إلى حدّ دفع عدداً من النواب للقول «مجلس 2019 سيخسر رجل دولة». واعتبر السنيورة أنّ القطاع العام بات متضمّناً أكثر من إمكانات الدولة وأنّ الأحزاب والطوائف بات لا يحرّكها إلا هاجسها في تأمين مصالحها داخل مؤسسات السلطة، ومحذراً من الوضعية الراهنة للاقتصاد اللبناني التي هي في وضعية انهيار، مشدّداً على أنّ الشعبوية والطائفية والمصالح الخاصة باتت تهدّد حالة الدولة، لكنه لفت إلى أنّ الفرص لم تنقض بعد، وأنّ هناك إمكانية للإصلاح والتقشف وضبط النفقات.

أما ​حزب الله​، فقاد من جهته الهجوم ضدّ الفساد، وتوزّعت كلمات نوابه على مواطن الفساد والهدر والموازنة. إذ فجّر النائب ​علي فياض​ قنبلة التهرّب الضريبي، معتبراً أنّ مقدار التهرب الضريبي يبلغ 6300 مليار ليرة لبنانية، وهو يكاد يقترب من مقدار العجز الذي يقلّ قليلاً عن 7500 مليار ليرة، داعياً إلى تعديل النظام الضريبي في لبنان واعتماد نظام الضريبة الموحد التصاعدي.

وكشف نائب الوفاء للمقاومة عن مراسيم تصدر عن رئاسة الحكومة لتغطية نفقات النفايات من دون أن تنشر، فضلا عن أن المبالغ التي تحول من الصندوق البلدي المستقل إلى شركات النفايات تتضمّن دفع الدولة لضريبة الـ TVA وتنفق هذه الأموال على المسؤولية الكاملة ل​مجلس الإنماء والإعمار​ من دون أن يتمكن أحد من رقابتها، لأنها لا تندرج في إطار الموازنة ولأنّ مجلس الإنماء والإعمار يعمل خارج الأطر الرقابية، أما علاقته ب​ديوان المحاسبة​ فهي علاقة رقابية لاحقة.

كما تحدّث فياض بالتفصيل عن مشكلة الكهرباء، حيث شدّد على معطيات رقمية ل​قطاع الكهرباء​ حالياً وما يمكن أن يصبح في حال استئجار باخرة أو بواخر بطاقة 800 ميغاوات. فالكهرباء اليوم متوافرة لـ 92 في المئة من العائلات اللبنانية و91 في المئة من المؤسسات العاملة، ذلك أنّ الطاقة العاملة لدى مصلحة ​كهرباء لبنان​ توازي 1600 ميغاوات تقابلها طاقة 1500 ميغاوات تُشغل من قبل القطاع الخاص مقابل رسوم للمستهلكين توازي للقطاع الخاص 3-4 أضعاف المستحقات لمصلحة كهرباء لبنان التي تتقاضى رسوماً متدنية لاستهلاك الكهرباء.

واعتبر انّ مصلحة كهرباء لبنان تحصّل 650 مليون دولار من حاصلات الجباية سنوياً مقابل أكلاف تبلغ 2.8 مليار دولار، فضلاً عن أنّ المولدات تؤدّي إلى تحصيل 1.6 مليار دولار سنوياً، مشيراً إلى أنّ الفاتورة الحالية لتأمين الكهرباء – وهي متوافرة لـ 92 في المئة من اللبنانيين – توازي قبل أيّ تعاقد على سفن إضافية 2.8 مليار دولار، أكلاف مصلحة كهرباء لبنان التي تحمَّل نسبة 75 في المئة منها الشعب بزيادة الدين العام و1.5 مليار دولار اشتراكات ​المولدات الخاصة​، مع تأكيده أنّ كلفة ​الطاقة الكهربائية​ توازي حالياً 4.3 مليار دولار. وفي حال تعاقدنا على استئجار بواخر بطاقة 800 ميغاوات تصبح الكلفة أكثر من 5.3 مليار دولار سنوياً ناهيك بالتأثير البيئي المضرّ. والمعلوم، بحسب فياض، أنّ المولدات النقالة الحديثة يمكن توزّعها على مناطق عدة فيكون التلوث بنسب أقلّ وغير مركّز في مناطق تعاني من كثافة دخان المعامل. أما في ما خصّ الأساتذة المتعاقدين، فضلاً عن أساتذة ​التعليم الرسمي​، فالأمر بات في ظلّ فوضى تشريعية عارمة وأنّ «بازل» الرواتب بات مستعصياً على فهم النواب.

في حين شدّد النائب ​نواف الموسوي​ على موضوع النفط، داعياً إلى «مصارحة اللبنانيين بأننا أمام مشكلة في البلوكات 8 – 9 – 10، إذا لم نقم بأيّ إجراء لإسقاط الاتفاقية المشؤومة، في 17-1-2007، والتي يحملها «الإسرائيلي» ويدور يخبّر عنها في العالم»، قائلاً: «العبقري مَن ارتكب الخطأ سيُحاسب يوماً ما». وطالب الموسوي بسحب قانون التسوية الضريبية، ودراسته جيداً في الحكومة ثم إعادته كقانون لدراسته على مهل، لأنه «إذا خرجت الموازنة ومعها هذا القانون، فذلك فضيحة بكلّ المعايير في المجلس النيابي، وفقاً للموسوي، داعياً إلى تحرير الهيئات الرقابية من أسر السلطات السياسية التي تضغط عليها لمنعها من إعلان مواجهة العقبات في القيام بدورها. واستغرب عدم الاستماع إلى سياسات اقتصادية جديدة، قائلاً: «نحن عاجزون عن دفع الفوائد، وكلفة الدين التي هي 80 مليار دولار دين لا تقضي على مستقبل أولادنا فقط إنما تقضي على حاضرنا أيضاً».

بيد أنّ النائب ​حسن فضل الله​ ركز على موضوع استمرار الخلل بالموازنة ووجود مواطن إنفاق لا داعي لها قائلاً: «موازنة 2018 هي موازنة مستعجلة بسبب مؤتمر باريس والحكومة «نيّمت» الموازنة شهرين ونصف الشهر». وأضاف «نريد أن نعرف كيف تمّ صرف الأموال وهذا يتطلّب أن نقوم كنواب بدورنا ونحن ننتظر تقرير وزارة المال»، ومركزاً على مسؤولية القضاء في الوصول إلى نتيجة في الملفات التي فتحتها ​لجنة الاتصالات​، متسائلاً: «أين جماعة الانترنت غير الشرعي؟ يعملون ويقولون إنّهم أقوى من الدولة لأنّهم مدعومون من القوى السياسيّة».

وعلى المقلب ​التقدمي الاشتراكي​، فقد دافع النائب ​وائل ابو فاعور​ عن المدرسة الرسمية، وهاجم سياسة الحكومة تجاه التعليم الخاص، معتبراً أنّ ملف الفساد الذي خصّص له وزارة في الحكومة الراهنة قد بات عبئاً عليها. ودعا إلى إلغائها. وتساءل عن السرّ الذي لم يفض إلى إيقاف أيّ «مفيسد» في ​الدولة اللبنانية​. أما في سياق الصراع القواتي العوني، لا سيما في ما خص ملف الكهرباء، فقد ردّ النائب ​انطوان زهرا​ على ​التيار الوطني الحر​ في ما خص البواخر من دون أن يسمّيه.

وإذا كان النائب سامي الجميّل لم يتطرق إلى ما أسماه الانحدار الحاصل على كلّ المستويات الدستورية من ​التمديد​ وعدم إقرار الموازنة وعدم تقديم قطع الحساب والإعلامية والاقتصادية، والبيئية والقضائية، فإنّ كلمته لقيت إصغاء من رئيس المجلس، علماً أنّ «الشيخ» سامي افتتحها برسالة نصية وصلته من إحدى المرجعيات الوطنية من دون أن يسمّيه وجاء فيها: «هل يجوز قانون أساسي كهذا أن يكون سلق بسلق والحكومة والهيئة العامة؟ هذا غدر للعقول ولكرامتنا وللناس. حرام البلد والشعب لا يستحق هذه البهدلة». وقال: لقد تمّ تخطي ​المهل الدستورية​ التي تتحدّث عنها المادتان 83 و32 لإقرار الموازنة، فضلاً عن عدم وجود قطع حساب والذي تفرضه المادة 87 من الدستور، وصولاً إلى عدم احترام شمولية ووحدة الموازنة والـ «لا فذلكة» أيّ لا رؤية ولا خطة تستند إليها الموازنة لخفض العجز ومحاربة البطالة ومكافحة الفقر وزيادة النمو وخلق فرص عمل وللبطاقة الصحية وضمان الشيخوخة وتخفيض الدين العام. ففي كلّ النص لا أحد يخبرنا كيف ستعالج هذه المشاكل وكلّ ما درسناه هو عدّ أرقام. وسأل: «عملياً على مَن نتذاكى؟ إذا اقتلعنا عجز كهرباء لبنان من الموازنة هل يكون اختفى؟ مع العجز يكون الإنفاق 19.2 مليار ليرة، أيّ 4.7 مليار دولار، وبما يتعلق بإخفاء الحقيقة عن الناس هناك برامج للدولة أقرّتها الحكومة عندما قالوا إنهم يريدون تخفيض 20 في المئة وقد أخذنا النسختين وقارنا بينهما، عملياً لم يكن تخفيضاً بل تأجيل، لقد أجّلنا الدفعات المستحقة حتى عام 2019، كما أنّ تضخيم الإيرادات أيضاً فيه مخالفة للأرقام، فوزير الاقتصاد قال إنه لم يسجل المتوقع منها، أيّ أنها أقلّ مما هو متوقع».

ولم يكد الجميّل ينهي كلمته حتى ردّ عليه وزير المال ​علي حسن خليل​، مشيراً إلى انّ الأرقام التي أوردها النائب الكتائبي غير دقيقة.

وكانت الجلسة بدأت بتحية وجهها الرئيس بري إلى رئيس ​لجنة المال والموازنة​ النائب إبراهيم كنعان وأعضائها على الجهد لإنجاز الموازنة قائلاً «يجب ان يدخل كنعان واللجنة كتاب «غينيس». بعد التحية، اعتلى كنعان المنبر وتلا تقرير اللجنة حول الموازنة.