كادت أزمة الاساتذة المتفرغين بالجامعة ال​لبنان​ية أن تنال من "وهج" المشكلة الأكبر التي تواجه ​الاساتذة المتعاقدين​ فيها، وإن كانت الأولى قد شارفت على النهاية فإن للثانية قصة مختلفة، فعمر المشكلة عشرات السنوات وحلّها لن يكون بوعد من ​مجلس الوزراء​ بل بتغيير طريقة العمل في الجامعة وتطبيق الانظمة بحذافيرها، الأمر الذي يسعى لإنجاحه رئيس الجامعة ​فؤاد أيوب​.

مشاكل التعاقد

يحمل الأستاذ الجامعي رسالة تتخطى حدود عمله التعليمي، فهو من الناس الموجودين في أعلى رتبة تعليمية ويشكل قدوة لطلابه، ويُطلب منه تأدية أدوار فاعلة في محيطه الاجتماعي، ولكن يُسقط "التعاقد" وتحديدا الطويل الأجل كل تلك المهمات والصفات والأدوار، الامر الذي يشكل جريمة بحق الأستاذ الجامعي. لماذا؟ وما هي أبرز المشاكل التي يسببها التعاقد؟.

كثيرة هي الآفات التي يسببها نظام التعاقد ولكننا سنكتفي بذكر بعضها وأولها أنه لا يجب بحسب قانون التفرغ أن تطول مدة تعاقد الاستاذ عن 24 شهرا بدوام كامل، ويُقصد بالدوام الكامل هنا تعليم 200 ساعة سنويا، قد تزداد الى 300 بحد أقصى اذا كان الأستاذ المتعاقد مدعوما، ولكن ما يجري على أمر الواقع هو استمرار التعاقد لسنوات وسنوات، واحيانا كثيرة من دون موافقة مسبقة من مجلس الجامعة الذي كان غائبا وشاغرا لسنوات طويلة، ما يعني أن الجامعة كانت تتعاقد سابقا مع الاستاذ من دون تأمين الاعتماد اللازم لإعطائه راتبه، وهو ما يوصل المتعاقد الى تاريخ القبض ولا يجد مالا.

بالاضافة الى المشكلة المادية يقبع الاستاذ الجامعي المتعاقد تحت وطأة تأمين لقمة العيش اذ أن راتبه من ​الجامعة اللبنانية​ الذي يقبضه كل عام ونصف تقريبا (إن قبضه) ويصل الى حوالي 12 الف دولار خاليا من أي ضمان او تقديمات اجتماعية لا يكفيه لسد حاجاته ما يدفعه للتعاقد مع الجامعات الخاصة، والابتعاد كليا عن مجال البحث والتطوير لضيق الوقت، الامر الذي ينتج اساتذة بعيدون كل البعد عن كل ما هو جديد في عالم "العلم".

المشكلة الثالثة تتعلق بالكفاءة، فمعروف عن التعاقد بلبنان بأنه تجميل لـ"المحاصصة والتنفيعات"، اذ لا يتم رفع الشواغر في ساعات التعليم في الكليات الجامعية الى رئاسة الجامعة كما يفرض النظام بل تُنقل الشواغر من تحت الطاولة من أستاذ متفرغ الى آخر متعاقد، لذلك نجد الكثير من الاساتذة المتعاقدين الذين لا تعلم بوجودهم رئاسة الجامعة ومجلسها سوى عندما يحين موعد الحصول على الرواتب.

الرواتب قريبة!

اليوم ساهم رئيس الجامعة ومجلسها الجديد بتصويب الأمور فصدرت مراسيم تمنع التعاقد من خارج مجلس الجامعة، وأصبحت موافقة الأخير ضرورية قبل دخول الاستاذ المتعاقد الى الصف، ولكن نحن ما زلنا نعيش بحسب مصادر مطلعة آثار المرحلة الماضية اذ أن المطالبات التي نشهدها اليوم من البعض تتعلق برواتبهم عن العام الدراسي 2015-2016، مشيرة الى أن رواتب 2016-2017 و2017-2018 يحين موعد المطالبة بها أواخر العام 2019.

وتضيف المصادر: "قبض الاساتذة في الكليات الصغيرة ولم يقبض اولئك الذين يدرسون في كليات كبيرة كالعلوم مثلا، مع العلم أن الذين قبضوا منذ أيام راتب 2015-2016 دفعوا غرامة لانهم لم يلتزموا بالمواعيد المحدد لدفع الضريبة عن ذلك العام"، مشددة على أن ما كان يجري في نظام التعاقد حرم الجامعة اللبنانية من الكفاءات العالية واساء لصورة الاستاذ وخلق فجوات اجتماعية بين استاذ وآخر يعملون في نفس المؤسسة ويتمتعون بنفس الكفاءة والمهارة.

من جهتها تكشف مصادر مقربة من رئيس الجامعة ومجلسها عبر "النشرة" أن الاعتمادات المطلوبة لدفع المستحقات المتراكمة للأساتذة المتعاقدين قد رُصدت من قبل وزير المالية ​علي حسن خليل​ وسيتم دفعها على ثلاث دفعات متتالية تفصل بينها أشهرا قليلة بدءا من الصيف المقبل. وفي سياق متصل تسأل المصادر: "من يتحمل مسؤولية تأجيل حقوق الاساتذة واسرهم الذين وردت أسماؤهم بالملف الذي طرح للتفرغ منذ فترة"؟، مشيرة الى أن "هذه الاسماء صدرت بعد دراسة الملفات من قبل لجنة مختصة أخذت بعين الاعتبار شرط السنتين بدوام كامل"، مشددة على ان هذا النوع من التعاطي مع الجامعة اللبنانية هو سبب تضخم مشكلات المتعاقدين والمتفرغين على حد سواء.

وضع رئيس الجامعة اللبنانية يده على الجرح، فأطلق على عيد الجامعة اليوم عنوان "صناعة الريادة والتركيز على براءة الاختراع والجوائز الدولية"، وهذا الأمر الذي يعود على الجامعة بملايين الدولارات لن يتحقق سوى بتنظيم ملفي التعاقد والتفرغ وابعاد الجامعة عن نظام المحاصصة الطائفية.