لا شك أنّ الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ الذي ورث الكثير من الملفّات من الإدارات الأميركيّة السابقة، يُحاول الظُهور بموقع الرئيس القوي والمُختلف عن أسلافه، لكنّ تصعيده الكلامي والإعلامي في أغلبيّة الملفّات لا يقترن بتغيير فعلي على مُستوى ال​سياسة​ الأميركيّة المُعتمدة منذ سنوات في أكثر من منطقة في العالم. فهل سيطوي الرئيس ترامب صفحة التصعيد بين ​كوريا الشمالية​ والولايات المتحدة الأميركيّة؟ وهل سيُمدّد العمل بالإتفاق النووي بين بلاده و​إيران​؟.

في الملف الكوري الشمالي، يبدو أنّ الأمور تتجه إلى التهدئة، حيث نجحت سلسلة من الإتصالات الكثيفة في تحديد يوم الجمعة 27 نيسان لعقد لقاء قمّة بين الزعيم الكوري الشمالي ​كيم جونغ أون​ ورئيس كوريا الجنوبيّة مون جاي إن في منطقة حدوديّة بين الكوريّتين. ومن المُنتظر أن تفتح هذه القمة الباب أمام مجموعة من الإتفاقات الإعلاميّة والإقتصاديّة وحتى الأمنيّة بين الطرفين، لخفض أجواء التوتّر التي كانت بلغت ذروتها في الأشهر القليلة الماضية نتيجة التجارب النوويّة والباليستيّة المُتتالية التي أجرتها "بيونغ يانغ". وفي حال بقيت الأمور سائرة ضمن أجواء التفاؤل السائدة حاليًا، من المُتوقّع أن يُعقد لقاء قمّة في نهاية أيّار المقبل بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس كوريا الشماليّة، على أمل تحقيق خرق كبير في الملفّ النووي الكوري الشمالي، حيث يُراهن الدكتاتور كيم جونغ أون على أن تكسب بلاده سلسلة من الإتفاقات التجارية والإقتصادية والمالية مع العديد من دول العالم الصناعيّ، في مُقابل تقديمه بعض التنازلات في ملفّ صناعة الصواريخ الباليستيّة وتخصيب اليورانيوم. لكنّ الإدارة الأميركيّة إستبقت هذا التوجّه بالتشديد على أنّ أي تنازلات صُوريّة من جانب كوريا الشماليّة، كما حصل أكثر من مرّة في السابق، لن يُسفر عن أي نتيجة على مُستوى العلاقات الثنائيّة مع "بيونغ يانغ" ولن يُخرج كوريا الشمالية من عزلتها الحاليّة.

في الملف الإيراني، يحاول الرئيس الأميركي من خلال تسريب معلومات بشأن نيّته الإنسحاب من الإتفاق مع طهران رفع نسبة ضُغوطه على إيران في مُحاولة لتحسين الشروط الأميركيّة في أكثر من ملفّ، لكنّ مُحاولاته تعرقلت حتى تاريخه، بفعل مُعارضة الدول الأخرى التي وقّعت الإتفاق مع إيران(1) على إدخال أي تعديلات عليه. إشارة إلى أنّ الرئيس ترامب كان أمهل الدول الأوروبيّة الحليفة حتى 12 أيّار المُقبل لإدخال تعديلات على الإتفاق، حتى لا تنسحب واشنطن منه. وبحسب أكثر من خبير غربي، إنّ الرئيس الأميركي يُحاول كسب بعض التنازلات في ملفّات أخرى مُستغلاً مسألة الإتفاق مع إيران. ورأى هؤلاء الخبراء أنّه على الرغم من عدم رغبة الأطراف الأخرى المُرتبطة بالإتفاق بتعريض أسسه للإهتزاز، فإنّ الرئيس الأميركي قد يلجأ في نهاية المطاف إلى الإنسحاب من طرف واحد من الإتفاق، في حال وجد نفسه عاجزًا عن الحُصول على أي تنازل من جانب إيران التي رفعت في المُقابل مُستوى تهديداتها. ومن الضروري الإشارة إلى أنّ إنسحاب الجانب الأميركي من الإتفاق لن يُسقطه فورًا، لكنّه بالتأكيد سيُعرّض العلاقات الأميركيّة-الإيرانيّة إلى مزيد من التأزّم، وسيُفقد الإتفاق معناه لأنّ الولايات المتحدة الأميركيّة ستعود إلى فرض العقوبات ولوّ من دون إلتزام أوروبي علني بذلك، بينما ستعتبر إيران أنّ من حقّها العودة إلى سياسة تخصيب اليورانيوم.

في الختام، بعض المُحلّلين يعتبرون أنّ المُهادنة الأميركيّة في ملف كوريا الشمالية يُمهّد الطريق لتصعيد كبير مدروس من جانبها في ملف إيران، وذلك بهدف حماية مصالح حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط والمنطقة، بعد أن صبّت بنود الإتفاق، وكذلك التطبيق العملاني له، في صالح إيران وفي صالح نموّ نفوذها السياسي والأمني الإقليمي، في حين يرى البعض الآخر أنّ تصعيد الرئيس ترامب الكلامي ضُدّ إيران، ما هو سوى فصل آخر من السياسة الأميركيّة الخارجيّة العشوائيّة والإرتجاليّة وغير الواضحة الخطوط الإستراتيجيّة التي يُطبّقها منذ وُصوله إلى الحُكم!.

(1) الإتفاق الذي جرى التوصّل إليه في العام 2015، ضمّ كلاً من ​روسيا​ والصين وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركيّة إضافة إلى إيران بطبيعة الحال.