أيّاً كانت النتائج التي ستسفر عنها ​الانتخابات​ النيابية التي ستُجرى غداً في كل المناطق ال​لبنان​ية دفعة واحدة، فإنّ لبنان سيدخل إبتداء من بعد غد مرحلة جديدة، سواء على مستوى تكوين السلطة ​الجديدة​ أو على مستوى العلاقات بين مختلف القوى السياسية.

يؤكد فريق واسع من السياسيين انّ الانتخابات لن تنتهي بفوز أي فريق بالأكثرية النيابية، ليس لعدم قدرة هذا الفريق او ذاك على الاستحواذ على هذه ​الاكثرية​، وإنما لأنّ ​قانون الانتخاب​ الذي يعتمد النظام النسبي للمرة الأولى في ​تاريخ لبنان​، والذي بدأ كثيرون يلعنونه قبل الانتخابات ويتوعّدون بالعمل لتعديله او تغييره بعد إنجاز الاستحقاق النيابي، لا يُمكِّن أي فريق سياسي من الفوز بالاكثرية النيابية، وإنما يمكّن قوى وشخصيات سياسية من الفوز بالنيابة، وبعضها للمرة الأولى في حياتها السياسية، بما يؤدي الى أوسع تمثيل للبنانيين في ​مجلس النواب​، على رغم ما يشكّله «الصوت التفضيلي» و»الحاصل الانتخابي» من حواجز يمكن ان تقلّص حجم هذا التمثيل في بعض الدوائر.

والملاحظ في هذا المجال انّ الذين يلعنون قانون الانتخاب النسبي الآن ويتوعدون بتعديله أو تغييره في المرحلة المقبلة، كانوا قد صمّوا آذان اللبنانيين وهم يفاخرون بمحاسنه وما يحقّقه من «عدالة» في التمثيل النيابي. تماماً مثلما نظّروا وفاخروا بـ»قانون الستين» قبَيل ​مؤتمر الدوحة​، وبعد الاتفاق عليه في هذا المؤتمر عام 2008 قبل ان ينقلبوا عليه وإن ظل بعضهم يتمنّاه ويحنّ للرجوع اليه حتى ربع الساعة الاخير قبَيل إقرار القانون الحالي. ولكنّ بعض القوى العقلانية تعتبر انّ تطوير القانون الحالي، لجهة تلاؤمه مع كل متطلبات النظام النسبي، هو المطلوب في المرحلة المقبلة، فهذا «النسبي» يفترض ان يُطبّق في «دولة أحزاب» حتى يحقق التمثيل الشامل، وليس في «دولة طوائف» يسودها بعض الاحزاب.

ولكنّ بعض السياسيين المتابعين للاستحقاق النيابي يرون انّ ​الانتخابات النيابية​ على علّاتها والثغرات التي ظهرت في قانونها، ستُظهر في نتائجها الاحجام السياسية والتمثيلية لجميع الأفرقاء بنحو واضح وبعيداً من ايّ تمويه او «نفخ»، بحيث سيكون عنصر التميّز الأول متجسّداً بـ»الثنائي الشيعي» الذي سيظهر أنه الكتلة النيابية الأكثر تماسكاً، فيما سيكون عنصر التميّز الثاني متجسّداً بثنائي تيار»المستقبل» و»التيار الوطني الحر» الذي سيُكوّن الشكل الجديد لمرحلة ما بعد الانتخابات.

مع العلم انّ كثيرين نقلوا في الآونة الاخيرة عن رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ انه يريد ان يكون في موقع الوسط بين الجميع في مرحلة ما بعد الانتخابات، أيّاً كانت نتائجها وطبيعة العلاقات الجديدة التي ستسود بين مختلف القوى السياسية عموماً وبين «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل» خصوصاً.

ويؤكد هؤلاء السيّاسيون انّ «الستاتيكو» المُنتظر ان يسود بعد الانتخابات سيُعيد إنتاج اللوحة السياسية من دون أي تغيير في الجوهر، وانّ مفاعيل السياسة التي كانت تحكم لوحة ما قبل الانتخابات سيُعاد إنتاجها لتحكم لوحة ما بعد الانتخابات، وإن كان متوقّعاً حصول كباش سياسي كبير حول ​الحكومة​ الجديدة وتأليفها وتوازناتها وكلمة السر السياسية التي ستوضع فيها.

والمرجّح انّ عملية تأليف هذه الحكومة ستطول الى حين حصول التوافق على الشخصية التي ستتولى رئاستها، وعلى طبيعة تشكيلتها الوزارية بكل خلفيّاتها السياسية والتمثيلية، وكذلك على بيانها الوزاري، وعلى عدد أعضائها، أتكون مصغّرة او متوسطة او موسّعة، خصوصاً انّ حجمها ينبغي أن يأخذ في الاعتبار المكوّنات السياسية والطائفية التي سيتمّ تمثيلها فيها.

على انّ الوعود الكثيرة التي أطلقتها القوى السياسية، ولا سيما النافذة، مباشرة او عبر مرشحيها، خلال ​الحملات الانتخابية​، ستكون تحت المجهر في المرحلة المقبلة، فهي وعود طاوَلت ملفات كبيرة بعضها مَرحلي والبعض الآخر مصيري واستراتيجي وفي مجالات عدة.

وغالِب الظنّ انّ ملف ​الفساد​ سيكون الملف الأبرز الذي سيطرح على بساط البحث، خصوصاً انّ البلاد بلغت مرحلة دقيقة تستوجِب البدء بمعالجة جادّة لهذا الفساد الذي سيزيد الاوضاع الاقتصادية والمالية تدهوراً، في ضوء وصول حجم الدين الى ما يربو على 80 مليار ​دولار​ وتزايد حجم خدمته سنوياً.

فهذا الملف يضع صدقية كل القوى التي وعدت الشروع في معالجته أمام الامتحان، في الوقت الذي يؤكد كثيرون انه لم يعد أمام لبنان من مناص إلّا وقف الفساد، لأنه في حال استمر على ما هو عليه فإنه سيهدّد بسقوط الهيكل على رؤوس الجميع بما يؤدي الى إفلاس البلاد.