في الوقت الذي أعلنت فيه أغلبيّة الأطراف السياسيّة فوزها في الإنتخابات النيابيّة، باعتبار أنّ القانون النسبي يسمح لكثير من القوى التي تتمتّع بالحد الأدنى من الشعبيّة بالتمثّل في ​المجلس النيابي​، لا بُد من التوقّف عند مجموعة من المُعطيات الملموسة التي تظهّرت حتى الساعة، على أن يتمّ الخوض لاحقًا في تحاليل مُفصّلة عن النتائج:

أوّلاً: كان لافتًا تراجع النسبة الإجماليّة للتصويت على مُستوى لبنان من نحو 54 % في إنتخابات العام 2009 إلى نحو 50 % حاليًا. وفي حين حافظت بعض الدوائر والمناطق على نسبة تصويت مُشابهة تقريبًا لتلك التي سُجلت في دورة الإنتخابات الماضية، سجّلت دوائر أخرى تراجعًا ملحوظًا، بشكل أثّر بشكل مُباشر على هويّة الفائزين، كما حصل على سبيل المثال لا الحصر في دائرة "بيروت الأولى"، حيث تمكّن "المُجتمع المدني" من وضع قدمه – إذا جاز التعبير في مجلس النوّاب، علمًا أنّ مرشّحي "المُجتمع المدني" الذين زاد عددهم عن 60 مُرشّحًا موزّعين على أغلبيّة الدوائر الإنتخابيّة فشلوا في الحُصول على "الحاصل الإنتخابي" في مُختلف المناطق باستثناء "بيروت الأولى"، مُستفيدين أيضًا من عوامل أخرى مؤثّرة من بينها الدعم الذي أمّنه لهم المرشّح ​زياد عبس​، وهو المسؤول السابق في "التيّار الوطني الحُرّ" من دون أن يتمكّن عبس من الدُخول إلى الندوة!

ثانيًا: أثبت "الثُنائي الشيعي" إمساكه الكامل بالساحة الشيعيّة، وقُدرته على تجيير أصوات كبيرة مؤثّرة في كل الدوائر التي يتواجد فيها، وفوز المرشّح إبراهيم عازار في جزين خير دليل على ذلك، ولولا سُقوط مرشّح "الحزب" في "جبيل – ​كسروان​" لكان "الُثنائي الشيعي" فاز بكل المقاعد التي هي من حق الطائفة الشيعيّة بحسب ​القانون اللبناني​ وعددها 27 مقعًدا، بحيث أثبت "الحزب" و"الحركة" أنّهما يمثلان بيئتهما بشكل ساحق ولا لبس فيه، بغضّ النظر عن العوامل وراء ذلك.

ثالثًا: تعرّض "تيّار المُستقبل" للخسارة الأكبر على مُستوى الأحزاب، نتيجة التحوّل من القانون الأكثري إلى القانون النسبي، حيث أنّ باقي الأطراف السياسيّة التي فقدت بعض المقاعد في بعض الدوائر نتيجة هذا القانون، تمكّنت من تعويض خسارتها في مناطق ودوائر أخرى، الأمر الذي لا ينطبق على "تيّار المُستقبل" الذي إنخفضت كتلته النيابية من أكثر من 30 نائبًا إلى قرابة 20 نائبًا. ونجح خُصوم "المُستقبل" المحسوبين على قوى "8 آذار" في الساحة السنّية، مثل كل من ​أسامة سعد​ و​عبد الرحيم مراد​ و​فيصل كرامي​ من الدُخول إلى المجلس النيابي، إضافة إلى نجاح "تيّار العزم" برئاسة ​نجيب ميقاتي​ من الفوز بكتلة نيابيّة منوّعة طائفيًا ومذهبيًا. لكنّ "المُستقبل" بقي الأقوى في الساحة السنّية، وسجّل نجاحه الأكبر في دائرة عكار، ولكنه تعرّض لضربة قويّة في "بيروت الثانية".

رابعًا: أثبت رئيس "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" النائب ​وليد جنبلاط​ أنّه الزعيم الأقوى بفارق كبير في الساحة الدُرزيّة، حيث سقط رئيس حزب "التوحيد العربي" وئام وهّاب ولائحته بشكل كامل، بينما تمكّن رئيس "​الحزب الديمقراطي اللبناني​" ​طلال أرسلان​ من الخرق، بمُساعدة كبيرة من "التيّار الوطني الحُرّ" في دائرة "​الشوف​ عاليه". وقد تمكّن "الإشتراكي" من الإحتفاظ بكتلة نيابيّة وازنة تضم فائزين من مُختلف الدوائر التي تتمثّل فيها الطائفة الدُرزيّة، وحقّقت لائحته المنوّعة طائفيًا ومذهبيًا، فوزًا كبيرًا في دائرة "الشوف – عاليه" بمُساعدة "المُستقبل" في إقليم الخروب وبمساعدة كبيرة ومؤثّرة من حزب "القوّات اللبنانيّة" على مُستوى الدائرة ككلّ.

خامسًا: أثبت حزب "القوّات اللبنانيّة" أنّه يتمتّع بشعبيّة قويّة في مُختلف الدوائر التي شارك فيها، وأنّ خطّته بحصر عدد المُرشّحين الحزبيّين المُلتزمين في هذه الدوائر ناجحة جدًا، حيث تمكّن من مُضاعفة عديد كتلته النيابية تقريبًا، فارضًا نفسه كلاعب أساسي من الشمال إلى جبل لبنان وُصولاً إلى دائرة ​بعلبك الهرمل​ مرورًا بزحلة. وبعد أن كان يُعيّر في السابق من قبل خُصومه، بأنه خدع الناخبين في زحلة وبأنه فاز بأصوات "الحلفاء" وبدعم "المُستقبل" في الشمال وزحلة وبمنّة من "الإشتراكي" في الشوف، أثبت حزب "القوّات" الذي يُعتبر من أكبر الفائزين على الإطلاق في إنتخابات العام 2018 أنّه قادر بقُوّته الذاتية على إيصال كتلة نيابية توازي عدديًا أي كتلة نيابيّة مُحترمة، على غرار كتلة "​حزب الله​" أو كتلة "​حركة أمل​" على سبيل المثال، وبأنّه هو من كان يُؤمّن بأصوات مناصريه وُصول العديد من نوّاب قوى "14 آذار"إلى البرلمان، وليس العكس.

سادسًا: "التيّار الوطني الحُرّ" تعرّض لخروقات كبيرة في العديد من الدوائر، من "جبيل كسروان" مُرورًا بالمتن وببعبدا وُصولاً إلى جزيّن"، لكنّه تمكّن في المُقابل من تعويض خسائره الجزئيّة بإنتصارات في دوائر أخرى منها مثلاً "الشوف – عاليه" وزحلة على سبيل المثال. وحافظ "التيّار" على الكتلة النيابيّة الأكبر على الساحة المسيحيّة، ولوّ أنّ جزءًا من هذه الكتلة ينتمي إلى شخصيّات تحالفت حديثًا مع "الوطني الحُرّ" وليست مُنتمية له حزبيًا، علمًا أنّ "التيّار" إستفاد أيضًا من دعم حزب "الطاشناق" ومن دعم "​الحزب القومي​ السوري الإجتماعي" في بعض المناطق، ومنها مثلاً المتن وبيروت الأولى، ومستفيدًا من دعم "حزب الله" في "بيروت الثانية" على سبيل المثال.

سابعًا: فشل حزب "الكتائب" في إثبات حيثيّته الشعبيّة، حيث تقلّصت كتلته وباتت تتكوّن من عدد محدود من النوّاب الذي يُحصون بأصابع اليد الواحدة، شأنه في ذلك شأن حزبي "المردة" و"القومي". وبالتالي لم ينجح الخطاب المُعارض الذي إعتمده النائب سامي الجميّل في جذب الناخبين.

ثامنًا: سقط العديد من المرشّحين المُستقلّين، وخسرت مرجعيّات مناطقيّة عدّة، وفي هذا السياق، لم ينجح مثلاً كل من النائب ​بطرس حرب​، والنائب ​نقولا فتوش​، والنائب السابق فارس سعيد، ورئيسة الكتلة الشعبيّة مريام سكاف، إلخ. من تحقيق الفوز.