منذ توقيع اتفاق الطائف، باتت عملية تشكيل الحكومة تشهد شد حبال بين مختلف الأفرقاء حول ما يعرف بالحقائب السياديّة، أي الداخلية والمالية والدفاع والخارجية بشكل أساسي، يضاف إليها حقيبة العدل، لاسيما بعد العام 2005، نظراً إلى الأهمية التي تشكلها على مستوى العلاقة مع ​المحكمة الدولية الخاصة بلبنان​، التي لا تزال موضع خلاف بين القوى السياسيّة على ضفتي قوى الثامن والرابع عشر من آذار.

هذا الواقع، يشكّل أزمة كبرى عند أي مشاورات لتأليف الحكومة، ما يدفع الأفرقاء المعنيين بالتشكيل إلى السعي لإبقاء القديم على ِقدَمِه، كما هو الحال اليوم، بالرغم من مطالبة بعض القوى بعدم تكريس حقائب لطوائف أو أحزاب معينة، إلا أن ما يعرف بالحقائب السيادية لم تعد 4 أو 5 فقط، يضاف إليها تلك التي تصنف خدماتية، أي التي ينظر لها على أساس أنها "البقرة الحلوب".

وفي حين لا تزال المشاورات والإتصالات التي يقوم بها رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ عالقة عند الحصص التي سينالها كل فريق، حيث تبرز أكثر من عقدة، منها التنافس على التمثيل المسيحي بين "​التيار الوطني الحر​" وحزب "القوات اللبنانية"، بالإضافة إلى العقدة الدرزية، المتمثلة بإصرار رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" على تسمية الوزراء الدروز مقابل مطالبة "التيار الوطني الحر" بتوزير رئيس "الحزب الديمقراطي" المير ​طلال أرسلان​، من دون تجاهل أزمة تمثيل القوى السنية التي لا تدور في فلك تيار "المستقبل"، تشير مصادر سياسية، عبر "النشرة"، إلى أن "التنافس على نوعية الحقائب لن يتأخر في الظهور، بعد الإتفاق على الحصص، بالرغم من الإتفاق على إبقاء توزيع الحقائب السيادية على حالها، خصوصاً وزارة المال، التي ستبقى من حصة "​حركة أمل​"، بينما تبقى الداخلية والبلديات من حصة تيار "المستقبل"، على أن تكون الخارجية والمغتربين من حصة "التيار الوطني الحر" والدفاع الوطني من حصة رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​".

وتوضح هذه المصادر أن الظروف المحيطة، سواء كانت محلية أم دولية، فرضت تغييراً في تقييم القوى السياسية لبعض الحقائب، نظراً إلى إرتفاع مستوى أهميتها، بينها الإتصالات والطاقة والمياه والأشغال العامة، فالأولى تمثل إحدى أبرز مداخيل الخزينة العامة، بينما الثانية تعتبر "سوبر" سياديّة مع بروز ملف النفط والغاز، في حين أن الثالثة أداة مهمة على مستوى الخدمات التي تؤمنها، والأمر نفسه ينطبق على كل من التربية والتعليم العالي والصحة العامة، وتضيف: "الأفرقاء المحليّون يعتبرون الوزارات بوابة لتعزيز نفوذهم لا لتأمين الخدمة العامة، وبالتالي يسعون بأي وسيلة إلى الحصول على "الدسمة" منها".

في هذا السياق، تشير المصادر نفسها إلى أن "البيئة" هي اليوم "كرة النار" التي يسعى الجميع إلى إبعادها عنه، نظراً إلى أنها، منذ بروز أزمة النفايات، المهمة الأصعب لأي حزب أو تيار سياسي، من دون تجاهل ضعف الموازنة التي تخصص لها، والأمر نفسه ينطبق على حقيبة الشباب والرياضة التي تعتبر "هامشية"، بالرغم من أهمية الوزارتين فيما لو كان هناك نية حقيقية للعمل، وتلفت إلى أن الواقع نفسه يشمل حقيبتي الزراعة والصناعة، بسبب إهمال السلطات المعنية لهذين القطاعين، وتركيزها فقط على القطاعين المالي والخدماتي.

في المرحلة الراهنة، تتحدث المصادر السياسية عن بروز وزارة الشؤون الإجتماعية، بسبب الأهمية التي تشكلها على مستوى العلاقة مع أزمة النازحين السوريين، التي باتت تعتبر الملف الأول على طاولة المباحثات في ظل الخلاف حول طريقة معالجته، بين الدعوة إلى التنسيق مع الدولة السورية ورفضها بشكل مطلق، بالرغم من وجود وزارة دولة لشؤون النازحين في حكومة تصريف الأعمال الحالية يتولاها الوزير معين المرعبي، والتي فشلت في وضع سياسية موحدة، وتؤكد بأنها ستكون من الحقائب التي ستشهد تنافساً بين الأفرقاء في الأيام المقبلة، مع العلم أنها تعتبر أيضاً من الوزارات الخدماتية.

في المحصلة، التنافس على الحقائب التي يريد كل حزب أو تيار سياسي الحصول عليها لن تكون مهمّة سهلة، بسبب النظرة التي لدى الأفرقاء إلى الوزارات والهدف من الحصول عليها، فـ"المكاسب" هي الدافع الأول إلى الإختيار.