"المُحتوى المُثير" sexy content، عبارة سمعتها للمرّة الأولى من على مسرح إحدى ​الجامعات​ العريقة في ​مدينة بيروت​، ضمن أعمال المؤتمر السنوي الأول لرابطة أكاديميي الإعلام في ​لبنان​ Medleb، وقد طرحها أحدُ المنتدين من مالكي إحدى كبرى القنوات التلفزيونية اللبنانية، وأَصرّ على تطبيقها كحلاّلة خارقة للضائقة المادية التي تُعاني منها المؤسسات الإعلامية اللبنانية، في ظلّ تصفيقٍ حادّ من رواد كليات الإعلام التابعين إلى مختلف الجامعات اللبنانية والبالغ عددهم حدود الثلاثمئة ونيّف.

المحتوى المُثير، هو المحتوى الذي يُحدث تأثيراً في سلوك المُشاهد بحيث يستجيب بطريقة ما للمضمون؛ يصرخ، يخاف، يرقص، يُغني، يبحثُ عن شيء ما متصل بما شاهده. وبالإمكان اعتبار المُثير مُدهشاً وجذّاباً عندما يُعنى به الضوء والصوت والكلام المنطوق والصورة والحركة والموسيقى والفن النظيف والجمال الطبيعي، إلا انه يتوقّف عن أن يكون كذلك، عندما يُقدّم الجنس مادّةً للجذب ووسيلة لاستمالة المشاهد واستدراجه إلى الحقل الإعلامي الخاصّ، للإنتفاع منه مادياً قدر الإمكان ولو على حساب أخلاقه وقيَمه وثقافته وحضارته وتديّنه.

والجليُّ أن المؤسسات الإعلامية اللبنانية في غالبيتها ذاهبة في اتجاه تبني المحتوى المُثير(sexy content) لنجدة حالها وانتشال نفسها من مأزق الأزمة المالية التي تمرُّ بها. وهو ما بدأ المُشاهد اللبناني يلحظه من خلال ​الأخبار​ الصفراء التي تخترق المساحة الخاصّة بالأشخاص وتُعرّيهم في حياتهم الحميمة وخصوصيّاتهم، والبرامج المبتذلة التي تُسَّوقِ الجنس صوراً فاضحة وإغراءً وإغواءً وإيحاءً وأحاديثاً ونِكاتاً بذيئة، وتتعمَّد مخاطبة الأهواء وإيقاد الشهوات، ما يضُرُّ بصحّة المُشاهد الأخلاقية ويُحَرّف سلوكياته ويُعَطّل قدرته على التمييز، فيستجيب بشكل مباشر مغ المضامين ما يرفع من نسبة المُشاهدة، فتتربّع المؤسسة المُنتِجة للمثير على عرش المؤسسات الأُخرى وتتفوّق عليها، غير عابئةٍ بحياة الإنسان وجسده وأخلاقه وضميره وسلوكيّاته ومصيره؛ الإنسان المدعو إلى ما يفوق المادّة والزوال، والذي لا يُمكن لأحدٍ إعفاء نفسه من مسؤولية الإهتمام به وبمصيره.

أن يتجرأ المُنتَدي فيقترح المُحتوى الجنسي المثير دواءً للتفلُّت من كمّاشة الإفلاس المادي، وأن يُصفّق طُلاب كليّات الإعلام بحرارة وصخب لما تفضّل به المُنتدي، يعني أنَّ الإفلاس الأخلاقي الذي تُعاني منه المؤسسات الإعلاميّة الوازنة على الساحة اللبنانية، والصروح التربوية المؤثّرة بشكلٍ مباشر بالمشهد الإعلامي، قد بلغ مبلغاً بات معه من الضرورة بمكان، سوقهما إلى غرفة الإنعاش ومدّهما بأمصال القيَم والأخلاق الرافعة للمجتمعات، وهو أمرٌ يتحقّق بيد الدولة الحريصة على الآداب العامّة وعلى أخلاق مواطنيها، والساهرة الراعية والقادرة وحدها على ردع هذا الجنوح المجنون إلى المُجون الذي سيودي بالمجتمع، لا محالة، إلى حافّة الهاوية فالإنهيار إن استمر على هذا النحو.

الإفلاس المادي يُعالج بكمّ من المال يسدُّ العجز ويُعوّم المؤسسات، ولكن الإفلاس الأخلاقي لا يُسد بحفنة من المال ولا يعوّض عنه بقليل أو كثير من الهبات والمكرمات، بل يفترض الكثير الكثير من إعادة التأهيل الذي لن يكون سهلاً البتّة بسبب تداعياته الخطيرة على صحّة المجتمع، ولهذا فإن الحزم الوقائي ضروريّ قبل أن يقع الندَم حين لا ينفع الندم.

وفي المُحصِّلة، إن كان المحتوى الجنسي المُثير هو، بالنسبة للبعض، القادر وحده على انتشال المؤسسات الإعلامية من الضائقة المادية التي تمرّ بها، فمن تراه ينتشل النفوس الساقطة والمجتمعات الفاسدة بفعل المحتوى السّاقط؟! ولهذا فليبحث لهم سادة الإعلام، عن حلولٍ أُخرى بعيدة عن ​الفساد​ والإفساد والضلال والتضليل، حلول مسؤولة تعمل على تعزيز ثقافة احترام الإنسان في جسده وحياته وكرامته وضميره وأخلاقه، وتقديم ما هو حقيقي وصالح وجميل.