إنه حزيران 1982، تملأ ​الطائرات الإسرائيلية​ الأجواء اللبنانية، تقذف حممَها على بيروت المحاصرة من دون رحمة، ونحن الصغار يومها نتابع بحماسة المونديال الإسباني، بواسطة تلفزيون أسود وأبيض صغير مشحون عبر بطارية السيارة وسط أحد شوارع ​بحمدون​ المهدّمة بسبب الاجتياح والتي كانت تجمعنا للمرة الأخيرة قبل التهجير المستمر بأشكال مختلفة الى يومنا هذا... الكرة تدور والحماسة على أشدّها وصوت المعلّق على ​تلفزيون لبنان​ يذكّرنا بأنّ الحرب هنا على ارضنا، ولكننا نحب الكرة ونحب الحياة، ولن نستسلم...

الكرة تُسابق آلة الحرب البغيضة بالدوران، والسياسة «شغّالة»، ونحن نراقب على جبهتين لا قرار لنا فيهما.

قيل لنا أنّ لبنان جديداً قويّاً سيخرج من أتون الدمار الهائل. قيل لنا أنّ النعيم قريب الينا بعد تخطّينا هذا الجحيم. قيل لنا الكثير، وصدّقنا يومها كنا صغاراً، ونريد أن نحلم بدولة ووطن وبلدة وبيت فرفضنا أن نهاجر، انتهى المونديال... وفاز مَن فاز...

وفي لبنان ظنّ فريق سياسي أنه ربح الحرب وسيحكم لبنان، كل لبنان والى الأبد... ولكنّ السياسة الداخلية كما المونديال، يتبدّل اسم الرابح فيها في أقلّ من أربع سنوات ولا أحدَ يستطيع أن يحتفظ بالكأس، والأنكى أن لا احد من الفرقاء يريد أن يتعلم بأن لا منتصر دائماً في هذا الشرق.

نرفض أن نتعمّق بالتاريخ خوفاً من المستقبل. دول إقليمية تضعف وتتفكّك، ​العراق​ القوي مع صدام يكاد ينهار بعد التدخّل الأميركي. و​سوريا​ التي تحكّمت بنا يوماً تحتاج الى معجزة كي لا تتفكّك. وإسرائيل التي أرعبتنا لا تريد أن تسمع بالمستنقع اللبناني.

وحدنا نبقى هنا على أبواب الهجرة نتأمّل بوطن لم ينوجد أصلاً. كانت إدارات الدولة فيه تجمعنا فإذا بها تضمحلّ وتتفكّك الواحدة تلو الأخرى، من السلطة القضائية الى ​الجامعة اللبنانية​ الى ​مؤسسة كهرباء لبنان​ وغيرهم من المصالح والمرافق... تتحطّم أمامنا وتُسرق من ساسة يريدون أن يسيطروا على الداخل بعدما جفّ المال الخارجي والكل يصرخ: «أيها الفاسدون نريد أن نقضي عليكم»...

يسقط الرئيس الأقوى في الفيفا (الاتّحاد الدولي لكرة القدم) بسبب الفساد وهنا مَن يضحك علينا ويقول أنا باقٍ كوننا كلنا فاسدين، ونحن الذين كبرنا، لا نريد أن نتعلّم أو أن نبدّل المدرّب أو أقلّه الكابتن. نسلّمه أنفسنا، أموالنا، وأرواحنا وأولادنا لكي يبقى متربّعاً على كرسيه هو وورثته من أولاده وأصهرته، ونحن نطبّل ونزمّر ونرفض أن نحاسِب، ونشاهد العمر يمضي، بانتظار أمل لن يأتي يوماً...

الكرة تدور وتتبدّل الأساليب والخطط والقوى ... أما نحن فندور على أنفسنا في مكاننا ونغرق في ذلك الدمار والحطام الذي لم ننهض منه يوماً من العام 1982 بل منذ ما قبله بكثير.