راهن كلّ من ​الولايات المتحدة الأميركية​ وكيان العدو الصهيوني والأنظمة التابعة لهما على إسقاط الدولة الوطنية السورية عبر الحرب ​الإرهاب​ية الكونية التي شنّت عليها تحت غطاء ما سمّي ​الربيع العربي​، وذلك في سياق خطة متعدّدة الأهداف أبرزها ​القضاء​ على قوى ​المقاومة​ في المنطقة وإلغاء الهوية العربية وخلق المناخات الاستسلامية وحالة الإحباط واليأس لتمرير صفقة القرن لتصفية القضية ال​فلسطين​ية وإعادة تعويم مشروع الهيمنة الأميركي في المنطقة والعالم من خلال إخضاع جميع الدول المستقلة وربطها بعجلة التبعية للدول الاستعمارية.

غير أنّ هذه الأهداف الأميركية الصهيونية لم تتحقق، بفعل صمود ومقاومة سورية جيشاً وشعباً وقيادة ووقوف باقي أطراف محور المقاومة إلى جانبها، وكذلك دعم ​روسيا​ لها، وأدّى ذلك إلى تبديد مناخات الاستسلام وحلول مناخات تعزّز خط المقاومة وبالتالي تبدّل موازين القوى لمصلحة محور المقاومة الذي تشكل الدولة الوطنية السورية عموده الفقري.

لهذا بدأنا نشهد حالة التخبّط والقلق الأميركي الصهيوني التي عبّر عنها في الميدان والسياسة والنابعة من العجز عن إعاقة التحوّلات الحاصلة في موازين القوى الإقليمية والدولية المتولدة من رحم انتصارات سورية وحلفائها، وبات المشهد العام يؤشر بوضوح إلى التسليم الغربي والصهيوني بانتصار سورية وهزيمة المخطط الأميركي الصهيوني، وهو ما أقرّ به المعلقون الصهاينة في تعقيباتهم على التطوّرات الميدانية السريعة في ​الجنوب​ السوري لمصلحة استعادة ​الدولة السورية​ بسط سيطرتها وإلحاق الهزيمة بالإرهابيين أدوات ​أميركا​ وكيان الاحتلال الصهيوني.

من هنا سارعت دوائر القرار في ​واشنطن​ و​تل أبيب​ لأجل وضع صفقة القرن موضع التنفيذ والعمل على تهيئة الظروف المواتية لتمريرها، قبل إنجاز محور المقاومة انتصاره التامّ على قوى الإرهاب، والتداعيات التي ستنتج عنه لا سيما على صعيد عودة استنهاض الوضع العربي لدعم ومساندة مقاومة وانتفاضة شعبنا العربي في فلسطين، وبدأت واشنطن بترتيب الأمر مع النظام التابع لها في مملكة ​آل سعود​ مستفيدة من حاجة ولي العهد محمد بن سلمان لحسم الصراع في المملكة لمصلحة تثبيت ولايته ومركزة السلطات بيده، وفي هذا السياق جرت ما يشبه الصفقة الكبرى بين إدارة الرئيس ​دونالد ترامب​ وابن سلمان قضت بتمكين الأخير من الحكم مقابل المال السعودي وهو ما تجسّد بمنح ترامب نحو 500 مليار ​دولار​ صفقات سلاح واستثمارات ، والمساهمة في الضغط على السلطة الفلسطينية و​الأردن​ ومصر كي يقبلوا بصفقة القرن على أساس التخلي عن أن تكون ​القدس​ الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية الممسوخة السيادة، والتسليم بالقدس عاصمة موحدة للدولة الصهيونية ​العنصرية​، وإقناع السلطة الفلسطينية بالقبول بأن تكون ضاحية أبو ديس القريبة من القدس عاصمة ما يسمّى ​الدولة الفلسطينية​ الموعودة، وكذلك الضغط للقبول بشطب حق عودة ​اللاجئين الفلسطينيين​ والعمل على توطينهم حيث يقيمون مقابل مساعدات واستثمارات مالية مغرية للسلطة والأردن و​لبنان​ ومصر.

لهذا نرى هذه الحركة الأميركية المتسارعة لوضع مشروع صفقة القرن موضع التنفيذ، ونشهد معها هذا الهجوم الأميركي الشرس ضدّ أطراف محور المقاومة، من خلال تشديد الحصار المالي والاقتصادي على الجمهورية الإسلامية ال​إيران​ية وسورية والمقاومة في لبنان، بهدف إثارة المتاعب الداخلية واشغالهم بعيداً عن مواجهة مشروع صفقة القرن.

لكن من يدقق في المشهد يلحظ بوضوح أنّ هذه المحاولة الأميركية الصهيونية لإنقاذ صفقة القرن من السقوط كما سقط هدف إسقاط الدولة الوطنية السورية المقاومة، سيكون مصيرها أيضاً الفشل والسقوط بفعل العوامل التالية:

العامل الأول: تنبّه محور المقاومة لخطورة صفقة القرن والعمل على التصدّي لها من خلال دعم مقاومة وانتفاضة الشعب العربي في ​فلسطين المحتلة​ و​قطاع غزة​ المحاصر الذي نجح بتحويل الحصار إلى جحيم بوجه الاحتلال عبر مسيرات العودة والطائرات الورقية الحارقة وتثبيت المقاومة لمعادلة الردع مع العدو. وكذلك عبر تسريع عملية الحسم ضدّ قوى الإرهاب في سورية.

العامل الثاني: دخول أطراف المحور الأميركي الصهيوني الرجعي العربي في حالة من التراجع والتأزم نتيجة فشل حروبهم ومخططاتهم في سورية و​اليمن​ و​العراق​، فإلى جانب الانتصارات المتتالية لمحور المقاومة في سورية، فشلت قوى العدوان على اليمن في محاولة تحقيق نصر في الحُديدة يعوّض فشلها طوال السنوات الماضية من عمر العدوان، وما إعلان وقف العملية العسكرية في الحُديدة تحت بذريعة إعطاء فرصة لجهود المبعوث الدولي لليمن إلا محاولة للتغطية على فشل العدوان في نسخته ​الجديدة​ وعجز أطرافه عن تحقيق ما سعوا إليه نتيجة الصمود الأسطوري لمقاومة الشعب اليمني. أما العراق فإنّ ​الانتخابات​ وما نتج عنها جات مخيّبة لآمال واشنطن والرياض فيما تعزز التنسيق بين قوات ​الحشد الشعبي​ العراقية و​القوات​ السورية على طرفي الحدود العراقية السورية ضدّ داعش ووجه ضربة موجعة لمخططات واشنطن الهادفة إلى منع هذا التنسيق وإسقط سعيها إلى تمكين داعش من الاحتفاظ بسيطرتها في البادية السورية لمواصلة وإدامة حرب الاستنزاف ضدّ سورية والعراق معا ومنع التواصل بين البلدين واستطراداً بين إيران وسورية عبر العراق.

العامل الثالث: أنّ توازن القوى الإقليمي والدولي الجديد الذي بدأ ب​الولادة​ والظهور على أنقاض الهيمنة الأحادية الأميركية يوفر للشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية وقوى المقاومة ظروفاً جديدة لمصلحة الاستمرار في المقاومة والصمود والعمل على إسقاط صفقة القرن ورفض الضغوط للقبول بها، وخصوصاً أنّ شعب فلسطين ليس لديه من خيار لإسقاط هذه الصفقة، التي تستهدف تصفية قضيته والتنكر لكلّ حقوقه في وطنه، سوى المقاومة والصمود.