ربما لم تفلح اللقاءات الاخيرة على خط تأليف ​الحكومة اللبنانية​ في اخراجها من عنق الزجاجة، إلا أنها ساهمت بشكل أو بآخر في تنظيم قواعد الخلاف بين القوى السياسية في ظل اجواء من التهدئة ودعوات لخفض نبرات الاعتراض على "أمل" حلحلة العُقد الدرزية والمسيحية والسنية بعد عودة المعنيين بملف التأليف من اجازتهم الصيفية.

لاشك انه لا يمكن تعليق حل قواعد الخلاف في ملف تأليف الحكومة سوى على "الامل"، خاصة وان اوراق جميع الافرقاء باتت مكشوفة بكافة عناوينها، حيث هناك اختلاف واضح فيما بينها حول بعض الثوابت والمواقف الاستراتيجية وتوافق فيما بينها في ملفات أخرى كالملف الاقتصادي و​محاربة الفساد​ وغيرها، الامر الذي يجعل تلك العُقد مكشوفة الظهر، فهي في حقيقة الامر لا تقتصر على حجم التمثيل والحصص للقوى السياسية، وانما تتعدى بابعادها الى ما هو مرتبط بقاعدة التوازن السياسي للسلطة او الحكم في لبنان للمرحلة المقبلة، خاصة وان الحكومة الجديدة ينتظهرها سلسلة تحديات لا يمكن الاستهانة بها ان على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي، قد تتناول الاستحقاق الانتخابي الرئاسي بعد اربع سنوات و​ملف النازحين السوريين​ المزنر بـ"قشر الموز" حيث خطر الانزلاق به وارد عند اي موقف من اي طرف سياسي، الى ملف الدعوة الى اعادة تطبيع العلاقات مع ​النظام السوري​، الى الضغوط الغربية نظرا للمخاطر الامنية والاقتصادية على لبنان في حال عدم التزامه اجراء الاصلاحات المالية والادارية والاقتصادية والمتربطة بتقديم الدعم الدولي وذلك وفق سياسة حكومية تلتزم القرارات الدولية وتعمل على تنفيذها وعلى رأسها ​القرار 1559​.

أمام هذا الواقع يتضح ان التوازن السياسي المنشود لن يكون على صورة ومثال مرحلة التسوية الرئاسية، وانما سيزنر بسلة ضمانات قادرة على مواجهة اي محاولة لجر المعسكرين المتخاصمين نحو الاصطدام واحداث الخلل في التركيبة التي يقوم عليها النظام اللبناني. من هنا ربما كان اللقاء السني الاخير الذي قام بها رؤساء الحكومة السابقين مع رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ والذي شكل حضور رئيس الوزراء السابق ​نجيب ميقاتي​ عنوانه الاساسي انطلاقا من موقعه ودوره وحرصه الدائم على تحصين مقام رئاسة الحكومة وصلاحياته عبر تقديم الدعم والتعاون تطبيقا ل​اتفاق الطائف​ باعتبار ان اي محاولة لاضعاف موقع رئاسة الحكومة من شأنه ان يجعل من جسدها جسد مريض الامر الذي ينسحب اختلالا في جسد الدولة القائم على التوازن بين المؤسسات الدستورية الثلاث على ما يمثله مقامها للطوائف.

ربما قد لا تنضج الطبخة الحكومية في القريب العاجل، خاصة في ظل معطيات تحدثت عن اقتراح المقرر الخاص للامم المتحدة ادريس الجزائري يقضي انشاء آلية للامم المتحدة في ​سوريا​ لمناقشة تخفيف العقوبات الغربية ضدها، الامر الذي يوحي بان ترتيب ما في الافق السوري يجري تحضيره لفك الحصار عن سوريا الامر الذي قد يستدعي ان تأتي ترتيبات دول الجوار وتحديدا لبنان متناسبة مع الترتيبات الحاصلة فيها او اقله ان لا تشكل مصدر عرقلة او تشويش من اي طرف سياسي لها. من هنا ليس مستبعدا ان تنشط الخطوط الساخنة لبعض القوى اللبنانية على خط دمشق على ما لذلك من انعكاسات على ملف تأليف الحكومة وشكلها حيث "حكومة الامر الواقع" فرضية غير مستبعدة.