لم يكن احد يتوقع ان يتحضر لبنان ليصبح بلداً يشرّع ​زراعة الحشيشة​ على اراضيه، اي بمعنى آخر ان يتمكن المزارعون من زراعة هذه المادة تحت سقف القانون وبحماية المؤسسات الامنية. بداية، لا بد من الاشارة الى ان الامر بدأ بما يشبه المزحة حين تم التمهيد له عبر "جسّ النبض" من قبل سياسيين ومسؤولين دعوا الى "قوننة الحشيشة"، ولكنه سرعان ما تطور الى اطلاق مواقف وحلقات نقاش حول فوائد هذه الخطوة ومنافعها، الى ان قدّمت شركة "ماكنزي" المفتاح الذهبي بضمّها هذا الاقتراح الى خطّتها الاقتصادية التي تم استقدامها لوضعها (ودُفع مبلغ مالي مهم لجهود الشركة). ومنذ ايام، اعلن رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ ان "​المجلس النيابي​ بصدد التحضير لاقرار القوانين اللازمة لتشريع زراعة الحشيشة"، ما وضع المسألة على سكّة العمل الرسمية. من الطبيعي ان الامر سيأخذ بعض الوقت ليتحقق، كونه يقتضي قيام حكومة تواكب تنفيذ هذا القرار، ولكن، هناك اكثر من نقطة تثير التساؤل يجدر التوقف عندها وطرحها، كي لا تبقى عالقة دون اثارتها علناً، وربما العمل على اعطاء اجوبة عليها من قبل المعنيين بها.

اولاً: من الغريب فعلاً سرعة الاتفاق على نقطة بهذه الحساسية من قبل القوى السياّسية، وهي القوى نفسها التي لم تستطع بعد ان تتفق على تشكيل حكومة رغم كل التحذيرات والخطورة التي تعلنها في كل مناسبة على الوضع الاقتصادي جراء التأخير في عملية التأليف.

ثانياً: هل بتنا فعلاً اكثر تطوراً وانفتاحاً من غالبية دول العالم التي لا تزال تتعاطى مع موضوع ​المخدرات​ بحذر شديد ولا تسمح بزراعتها على انواعها، وبالاخص في القارة الاوروبية؟. فإذا كانت هذه الدول غير جاهزة بعد للتعاطي مع هذه المسألة، هل نحن افضل منها في التعامل مع المخدرات وكل ما تحمله من حسنات وسيئات؟.

ثالثاً: كيف ستكون ردة الفعل الغربية على هذا القرار، وهي التي حذرت وتعاونت مع لبنان اكثر من مرة وفي مناسبات كثيرة للقضاء على زراعة المخدرات وانتشارها، علماً ان لبنان لا يزال يشكو من انتشار المخدرات بشكل كبير في مجتمعه، كما يحبط بين الحين والآخر عمليات تهريب منه واليه. والاهم، هل وافقت ​الدول المانحة​ في مؤتمر "سيدر" على هذه النقطة؟.

رابعاً: اثبت مزارعو المخدرات، للاسف، انهم اقوى من اجهزة الدولة الامنيّة وهم يتحصّنون في مناطقهم ويؤسسون "جمهوريّات" لا يمكن المساس بها، وجنوا اموالاً طائلة. واذا كانوا على هذا الحال في ظل عدم التشريع، فكيف سيكون حالهم في ظل تشريع وقوننة عملهم؟ هل سنراهم في مجلس النواب او مجلس الوزراء؟.

خامساً: من الذي سيضمن عدم حصول "فلتان" على صعيد زراعة الحشيشة وسرقة المحاصيل، والاخطر من ذلك، من سيضمن بقاء زراعة الخضار والفاكهة حيّة؟ وهل سنصل الى فترة نلغي فيها تسمية ​وزارة الزراعة​ ونحوّلها الى وزارة الحشيشة؟ فالمزارعون سيتهافتون على هذه الزراعة نظراً الى مردودها المادي، كما ان الطلبات ستنهال بشكل غير مسبوق لتلبيتها، ومنها ما سيكون مزوراً بهدف التعاطي ومنها ما سيتم تأمنيه بكميات كبيرة للتوزيع تحت ستار "تلبية الحاجات الطبية".

سادساً: هل هذه النقطة هي التي ستصلح الاقتصاد وتنقله من الريعي الى المنتج؟ وهل هي الوحيدة التي ستنهض بالاوضاع؟ وماذا عن النفط وبقيّة المشاريع التي تم درسها ووضع الخطط لها؟ هل هي مجرد واجهة ام انها حقيقة واقعية؟.

ليس هناك من مشروع او اقتراح صالح او سيء بالمطلق، ولكن المنطق والواقع اللبناني يوحيان بشكل كبير ان هذه الخطوة ستحمل سيئات اكثر بكثير من الحسنات التي سيتم الترويج لها، علماً ان ما "كُتب قد كتب" وسنكون امام اقرار تشريع لزراعة الحشيشة، شاء من شاء وابى من ابى.