لا حقيبة توازي حقيبة ​وزارة الداخلية​ في رسم علامات الاستفهام حولها بشأن الخلف. الوزارة «المحسومة» للرئيس المكلف ​سعد الحريري​، تماماً كما المالية لرئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، والدفاع والخارجية لرئيس الجمهورية والوزير ​جبران باسيل​، تنتظر ساكن الصنائع الجديد.

باكراً جداً أوقف الرئيس المكلّف «الزحف» العوني باتجاه أم الوزارات. لم يتوان وزير الخارجية جبران باسيل، وفق المعلومات، عن مفاتحة الحريري بعد التكليف مباشرة برغبة رئيس تكتل «لبنان القوي» بالتفاوض حول انتقال وزارة الداخلية الى يدّ تياره السياسي على أن يُبقي على الخارجية أو الدفاع ضمن حصة العهد. تردّد أيضاً أنّ باسيل كان يمتلك إسماً مارونياً جاهزاً لتولّي هذه الوزارة.

عملياً، وبالوقائع، عدّة قوى سياسية اشتهَت وضع اليد على الوزارة «الاستثنائية»!

بالنسبة لباسيل كانت حقيبة المالية معركة خاسرة سلفاً، مع العلم أنه ردّد أكثر من مرة أنّ المداورة مطلوبة، والمالية أو الداخلية حق من «حقوق» العهد القوي، طارحاً دوماً معادلة «الداخلية والدفاع كانا من حصة الرئيس ​ميشال سليمان​، فكيف يمكن حجب أيّ منها عن الرئيس ميشال عون؟».

جواب الحريري على مطلب باسيل إستثمره الأخير فوراً ضمن إطار «التنازلات» التي قدّمها فريقه السياسي لتسهيل تأليف الحكومة بما في ذلك القبول بالحصة «الرباعية» لـ«القوات»، لكنّ الرئيس المكلّف لم يكن حاسماً فقط في مسألة إبعاد الطامحين بتجاوز «أسوار الداخلية»، بل بوَضع حدّ لولايتين وزاريتين ل​نهاد المشنوق​ وإحالته باكراً الى صفوف الوزراء السابقين.

المطّلعون يجزمون أنّ قرار الحريري بفصل النيابة عن الوزارة لم يستهدف المشنوق، ولم يفصّل على قياسه حصراً. فرئيس الحكومة الذي خاض ​الانتخابات النيابية​ بمرشّحين، غالبيتهم من الوجوه الجديدة، لم يرد أن تقف «مغامرته» عند صناديق الاقتراع.

هؤلاء يؤكّدون أنّ «الحريري أراد بقراره، الذي «مَرّك» فيه أيضاً على «العونيين» أصحاب الاقتراح «الأصليين»، ضَرب أكثر من عصفور بحجر واحد: التخفّف من عبء التوزير لأكثر من شخصية خاضت الانتخابات وفازت في مناطقها، محاكاة جزء من مطالب «الشارع» الخارج من الاصطفافات السياسية بتبنّي خيار الفصل «الاصلاحي»، إيجاد مروحة أكبر لحضور فريقه السياسي تحت قبة البرلمان موزّعاً بين مقاعد النواب والوزراء، والأهم توسيع بيكار الخدمات في المناطق...».

كلّ ذلك لا يَحجب «حدث» خروج نهاد المشنوق من وزارة الداخلية. الرجل «حالة» قائمة بذاتها تطرح علامات استفهام حول مسارها السياسي بعد «الداخلية»، في وقت يشير البعض الى تحد كبير يواجهه فعلاً من سيخلف المشنوق في هذا الموقع بالنظر الى دوره السياسي والأمني الذي أقرّ به كثيرون في مرحلة بالغة الحساسية.

وزير ربط النزاع مع «حزب الله»، و»الانقلاب» في ​سجن رومية​، والمروّج الأول للتسوية الرئاسية يستعد مع فريقه اللصيق لمغادرة مقرّ الصنائع. تدريجاً، نقل المشنوق كافة مقتنياته الشخصية من مكتبه مُبقياً على مقتنيات الوزارة و«نَفضة» ديكور فخم، وهو يحضر يومياً الى مكتبه متابعاً كافة ملفات الوزارة التي ينقل عنه قوله» «انها لا تحمل تصريف أعمال بالمعنى الكلاسيكي، بل تحتاج الى جهد وكأنّ الحكومة قائمة».

بعد إعلانه الصريح للمرة الاولى عن رغبته بأخذ إجازة طويلة، واتخاذ القرار بعدها بشأن بقائه أو خروجه من كتلة «تيار المستقبل» والاستمرار كشخصية «حريرية» مستقلة («الجمهورية» عدد 19 تموز 2018)، بقي الرجل بعيداً عن المنابر الاعلامية في ما يخصّ علاقته بالحريري و»تيار المستقبل» وعن أجواء تأليف الحكومة. أمّا زياراته في الأيام المنصرمة لبعض المقرّات السياسية والأمنية، ففسّرت في قاموس البعض بـ»الزيارات الوداعية».

خروج المشنوق لا يوازيه إثارة سوى الحديث عن الخلف. أسماء قليلة قيد التداول يتقدّمها الوزير جمال الجرّاح على رغم «نكسة» التسجيل الصوتي الذي سرّب له، والذي تفيد المعلومات أنه تمّ تجاوز تداعياته بين الجرّاح والحريري، لكن ليس الى درجة تجيير الداخلية إليه!

العارفون يجزمون بأنّ الجرّاح على الأرجح باق داخل الحكومة «إن لم يكن في الداخلية، فسيبقى في ​وزارة الاتصالات​ أو وزارة العمل» في حال بقائها مع «المستقبل»، فيما يتمّ التداول أيضاً بإسم رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة ​محمد شقير​، إبن ​بيروت​، للاتصالات وليس الداخلية كما روّج البعض.

وفيما طرح سابقاً إسم النائب السابق ​سليم دياب​، فإنّ كثراً يشيرون الى أنّ دياب من الحرس القديم الذي يسعى الحريري الى إبقائه بعيداً عن مواقع السلطة.

إسم وزير الداخلية الجديد ملك الحريري فقط، مع العلم أنّ الأخير يعتمد سياسة تكتّم شديدة في كل ما يتعلق بأسماء فريقه الوزاري الجديد، مع تأكيد قريبين منه أنّ بعضها لم يحسم بعد ربطاً بعدم تثبيت «توزيعة» الحقائب بعد، فيما تفيد المعلومات أنّ هناك حاجة حريرية لسدّ الفراغ التمثيلي في بيروت الذي سيتركه المشنوق، وينقل مطّلعون أنّ الحريري قد يطرح شخصية للتوزير في الداخلية خارج سياق الاسماء المتداولة، وقد تشكّل مفاجأة.

إجتماع ليل أمس بين الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، واللقاء المتوقّع اليوم بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية في بعبدا، المرتبط حصوله بمداولات اجتماع بين الوسط، كفيلان بكشف النقاب عن معظم أسماء الحكومة العتيدة.

وفيما جرى الحديث مؤخراً عن احتمال صدور مراسيم الحكومة متضمّنة اسم الحريري رئيساً للحكومة ووزيراً للداخلية، في تكرار لتجربة والده الشهيد بتعيينه رئيساً للحكومة ووزيراً للمالية في الوقت نفسه، فإنّ مطّلعين يؤكدون أنّ هذا الأمر غير وارد لدى الحريري الآن بعدما «عَنّت» الفكرة على باله في وقت سابق.