أكدت مصادر مسؤولة لـ"النشرة"، ان القوى السياسيّة والعسكريّةاللبنانيّة تعاملت مع الاشتباكات التي حصلت في مخيم الميّة وميّة بين حركة "فتح" و"​انصار الله​"، وأدّت الى سقوط أربعة قتلى ونحو ثلاثين جريحًا في جولاتها، بمسؤوليّة كبيرة وعلى خلفيّة قطع الطريق على أيّ مخطّط يستهدف الانجرار الى فتح مصير المخيّمات والسلاح الفلسطيني تماهيا مع "صفقة القرن" بطريقة غير مباشرة التي تهدف الى شطب ​حق العودة​ عبر الاقتتال والتهجير.

واشارت المصادر، الى ان ​الجيش اللبناني​ كان حاسمًا في خطوتين ميدانيّة ومعنويّة: اتخاذ اجراءات عسكرية وأمنية لمنع تمدّد هذه الاشتباكات الى خارج حدود المخيّم وخاصة بعد طول أمدها، وبعد ارتفاع الصرخة من القرى المجاورة التي تضررت جرائها... وممارسة ضغوط كبيرة على طرفي الاقتتال لوقف اطلاق النار فورا، بالتعاون والتنسيق مع القوى السياسيّة الصيداويّة وحركة "أمل" و"​حزب الله​" الذين اعتبروا أن أيّ خرق لاتفاق وقف اطلاق النار بات في وجههم ويهدف الى احراجهم.

وأكدت المصادر، ان الاشتباكات العنيفة والخروقات التي حصلت عقب كل إجتماع، وفي مرحلة خطيرة، فرضت معالجة دقيقة كـ"من يمشي وسط حقل من الالغام"، وعلى مختلف الاتجاهات، اولها، عدم سقوط الاجماع الفلسطيني بعدما هددت حركة "حماس" بتعليق مشاركتها في الاجتماعات الموسعة، وخاصة "هيئة العمل الفلسطيني المشترك" في لبنان، بسبب استمرار اتهامها بأنها طرف في الصراع بل تعمل على تغذيته، وقد سارع ممثل رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ مسؤول الملف الفلسطيني في حركة "أمل" ​محمد الجباوي​، على "تسوية" الموضوع بعد جهد كبير، ثانيها، الايحاء بأن ثمة شرخ وخلاف داخل حركة "فتح" بين المستوى السياسي نفسه، وبين المستوى السياسي والعسكري على الارض ما يتيح هذه الخروقات، ثالثها،عدم انتقال الاشتباكات الى ​مخيم عين الحلوة​ بعد ظهور استنفارات عسكريّة مصحوبة بكمّ هائل من الشائعات التوتيريّة والتهديدات، وبالتالي الدخول في أتون معركة لا يعرف احد نتائجها، وقد تنسحب على باقي المخيّمات مما يعني جرّ كل ​القوى الفلسطينية​ الوطنيّة منها والاسلاميّة الى تطبيق "صفقة القرن".

وأوضحت المصادر، ان القوى الفلسطينية تلقّت رسائل لبنانيّة هامّة بأن استمرار الاشتباكات لن يعود بالخير على المخيّم، وان خرق اتّفاق وقف اطلاق النار يرتّب عليه اجراءات عسكريّة جديدة بعد انتشار الجيش عند مدخل الميّة وميّة، لذلك جاءت المعالجات السياسيّة على مستوى عال، حيث تدخّل فيها مباشرة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" اسماعيل هنيّة الذي هاتف كلا من رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال ​سعد الحريري​ للمساعدة على وقف الاشتباكات، والتدخل الفاعل لإعادة الامور الى نصابها وحصرها بالوضع الفلسطيني رغم الاساءة الى المناطق اللبنانيّة بدء من صيدا، مرورا بحاراتها وصولا الى قرى شرقها.

ورأت المصادر، أنّ المعالجات جاءت على هذا المستوى العالي، ليس فقط على خلفيّة الشعور المتزايد بخطورة الاشتباكات ذاتها وتعقيداتها وتداخلاتها السياسيّة، بل بتداعياتها في المرحلة المقبلة لجهة انعكاساتها السلبيّة على العلاقات الاخويّة اللبنانية-الفلسطينية في صيدا ومنطقتها وشرقها، اعادة العلاقات الفلسطينيّة الى المربّع الاول من الخلافات وبالكاد نجح بري في جمعه عبر هيئة العمل الفلسطيني المشترك، ما يعني سقوط المظلّة السياسيّة للمخيّمات وفتح الابواب على الفتنة والاقتتال الفلسطيني، تقسيم مخيّم الميّة وميّة نفسه الى مربّعات أمنيّة، تعيد الى الاذهان صورة ما جرى في مخيّم عين الحلوة، اضافة الى الانتقام والثأر، وصولا الى عدم الرغبة في فتح مصير السلاح الفلسطيني، او اتخاذ خطوة لبنانية بقرار كبير يتعلق بدخول الجيش الى المخيّم في ظلّ الفراع السياسي مع ​تشكيل الحكومة​ العتيدة.

خلاصة القول، انتهت جولات الاشتباك في الميّة وميّة بجهود كبيرة وصعبة، ولكن النار ما زالت تحت الرماد تنذر بتجددها في حال لم يتمّ اتخاذ خطوات عمليّة تقوم على إزالة المظاهر المسلّحة، تهدئة النفوس، التعويض عن الاضرار الماديّة وصولا الى اجراء مصالحات في ظل القناعة بوجود "قرار حاسم" ألاّ ينهي أحد الآخر في هذا الوقت بالذات.